للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة إلى التأمل في ملكوت السماوات والأرض]

تأمل القوة التي أودعها الله عز وجل فقط في هذا الهواء، إذا أراد الله عز وجل أن يسلط شيئاً من الأعاصير أو الرياح على أهل بلد أو على أهل قرية من القرى ماذا يصنع الله عز وجل بهم؟ هكذا ظن الإنسان نفسه قوياً قادراً حين ركب الهواء في الطائرات، وسار في الفلك على الماء، ومع ذلك لم ينتبه أن قوته لا تساوي شيئاً، لحظات يسيرة يفقد الإنسان فيها سيطرته عل كل شيء، وتنتهي حياته في لحظه، ويسقط من أعلى، ويغرق إلى أسفل، وتتزلزل الأرض من تحت قدميه.

إذا تأملنا القوة التي أودعها الله عز وجل في هذه البحار الزاخرة، لو أنها خرجت على الناس لأغرقتهم في لحظة.

لو أن الإنسان تأمل القوة التي جعلها الله عز وجل في هذه الأرض، كيف إذا تزلزلت خرجت طاقات مدمرة هائلة تدمر كل شيء على وجه الأرض، لا يملك قوي ولا ضعيف من البشر لها دفعاً ولا رفعاً إلا ما شاء الله.

وتأمل فيما حولك من السماوات والأرض، هذه النجوم وهذه الكواكب السائرة في أفلاكها، كم فيها من القوة والطاقة والقدرة التي لو أن الله سلطها علينا لأهلكتنا في لحظات؟ كم من المذنبات تسير في هذه الأكوان الواسعة في السماء الدنيا، لو أنها سقطت على أهل الأرض لدمرتهم في لحظات ودمرت حضارتهم تدميراً.

ثم ليتأمل الإنسان فيما في الأرض من ملك الله عز وجل في نفسه وفي رزقه، فإنه ما أحيا نفسه ولا أوجدها، ولا يملك لها سمعاً ولا بصراً ولا صحة ولا استمرار حياة، ولا نبض قلب، لمن هذا الملك؟ لله الواحد القهار، هذا يشهده كل عاقل كما يشهده كل مؤمن، ولا يعقل هذه الآيات إلا العالمون بالله سبحانه وتعالى وبشرعه، فالله عز وجل يري من شاء ملكوت السماوات والأرض؛ ليكون من الموقنين بوحدانية الله وعظمته وقوته وقهره، وإذا كانت هذه القوة التي جعلها الله في المخلوقات فكيف بالقوة التي هي صفته سبحانه وتعالى؟! وهو سبحانه وتعالى الرزاق ذو القوة المتين، إذا أيقن العبد بذلك ارتفع نظره عن هذه الأرض وعما يبدو له من سلطان وملك للناس يغفل به أكثر الخلق عن ملكوت السماوات والأرض، وأن الملك الحقيقي لله، فيعيشون في هذه الدنيا في غفلة، وهم معرضون عن آيات الله الدالة على ملكه وعظمته وقدرته وقوته ووحدانيته، فيعيشون في هذه الحياة يتبعون من يظنونه يملك، ويطيعون من يظنونه بيده الأمر ويدبر الأمور، والله وحده هو الذي بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وبيده الخير كله سبحانه وتعالى، إن العبد إذا أيقن بوحدانية الله وقدرته صغر الناس في عينه زماناً ومكاناً، وعرف مقدار قوتهم التي جعلها الله عارية في أيديهم؛ ليرى ما يصنعون، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس:١٤]، فإذا كان الأمر كذلك لن يضره ملك الظالمين، ولم يسر في فلكهم كما يريدون، وإنما يفرد ربه سبحانه وتعالى بالعبادة والوحدانية.