للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دعوة الفتية قومهم للإيمان]

قال عز وجل: {فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف:١٤ - ١٥] أي: هلا يأتون على عبادة هذه الآلهة بدليل وحجة وبرهان واضح، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف:١٥]، هذه صيغة الإنكار عليهم، (لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ)، فغرضهم من الكلام: تأكيد انعدام الحجة على الشرك، وأنه أبطل الباطل، فلا دليل عقلي ولا شرعي ولا حسي ولا أي نوع من أنواع الأدلة يدل عليه، فليس إلا مجرد التقليد المحض للآباء والأجداد -والعياذ بالله-، وهو أعظم الذنب؛ لأنه افتراء على الله الكذب، ومخالف للواقع والحقيقة، مخالف لأعظم اليقينيات في هذا الوجود، وهي وحدانية الله سبحانه وتعالى رباً وإلهاً، أضف إلى ذلك نسبتهم هذا الشرك إلى الله عز وجل، وأنه يرضى به، ويسوغه للناس، فمن يقر بوجود الله يزعم أن الله عز وجل قد رضي بما هو عليه، كالمشركين الذين وجد فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يقرون بوجود الله سبحانه وتعالى، ويزعمون أنهم يريدون التقرب إلى الله، وأن الله قد رضي منهم ذلك، وقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:١٤٨]، يريدون أن ينسبوا شركهم إلى الله عز وجل، وأنه يرضى به، ويقره ويصححه -والعياذ بالله من ذلك-، وكاليهود والنصارى؛ فإنهم يقرون بوجود الله، ويشركون به عز وجل في ادعاء الصاحبة والولد، ونسبة العجز والضعف والنقص إليه سبحانه وتعالى، وغير ذلك من أنواع الكفر التي هم عليها، وهم في نفس الوقت يزعمون أنهم يتقربون إلى الله بذلك، وأن الله يرضى بذلك.

فلذلك نقول: أكثر الأمم يقرون بوجود الله، وهم في نفس الوقت يشركون بالله، وهو لا يقع إلا بأن ينسبوا ذلك إلى الله، فيجمع المشرك بين كونه قد أشرك، وارتكب القول الشطط الباطل الكذب البعيد عن الحق وهو أعظم الظلم، وأضاف إلى ذلك أنه افترى على الله عز وجل الكذب، ولذلك كان قول الإنسان على الله ما لا يعلم من أعظم الذنوب، بل ذكر الإمام ابن القيم أن الله سبحانه وتعالى جعله أشد من الشرك؛ ذلك لأن الذي أشرك ضرره عليه في نفسه، أما من افترى على الله الكذب فهو داعٍ إلى استمرار الشرك؛ لأنه حين نسب ذلك إلى الله وإلى دينه، وزعم أن الله يرضى بذلك؛ فإن ضرره مستمر لمن بعده، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف:١٥].

وأسوأ من ذلك من يعلم مخالفة ما يقضي به لشرع الله، ثم يصححه ويصوبه، ويقول بسيادته وعلوه على غيره، ويلزم الناس بالعمل به.

لذلك نقول: لابد من التعرض لمثل هذا الأمر الجلل؛ إذ إن أكثر الناس في غفلة عنه، وفي هذا الزمان كثر الجهل، وقل العلم، وأصبح يستفتى في سائر الأمور من يجلسون على المقاهي، بل استفتوا أكبر الفساق، وربما رءوس الكفر من الملل الأخرى، ويقولون: ما رأيك في الشيء الفلاني؟ وما تقولون في الشيء الفلاني؟ فأصبح كل أحد يتكلم في الدين، مع أن الكلام في الدين معناه أننا ننسب ذلك لرب العالمين، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف:١٥]، نسأل الله العافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>