للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كرامة أصحاب الكهف]

قال سبحانه وتعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف:١٨]، قال ابن كثير: ذكر بعض أهل العلم أنهم لما ضرب الله على آذانهم بالنوم لم تنطبق أعينهم لئلا تتأذى، فإذا بقيت ظاهرة للهواء كان أبقى لها، وهذا الكلام فيه نظر طبياً وواقعياً، وفهم كما قال: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف:١٨]، ويمكن أن يكون ذلك من باب المنظر من الخارج، فمن تقلبهم يظنهم الرائي أنهم مستيقظون، وإلا فالذي ينظر إليهم من بعد ربما لا يرى أعينهم، فمسألة أنهم لم تنطبق أعينهم فيها نظر، وإن كان فليس لأجل أن الهواء لا يفسدها، بل هذا هو من ضمن المعجزات، والطب يقول: إن العين المفتوحة تصاب أثناء النوم بالقرح، فلابد أن تغلق العين بشيء حتى لا تصاب بقرح؛ لأنه مع طول المدة من غير إغلاق نهائياً يتضرر الإنسان، والإنسان وهو مستيقظ يقفل عينه ويفتحها، فلو كانت مفتوحة أعينهم فهذا من ضمن المعجزة، وأن الله عز وجل أكرمهم ببقاء أعينهم مفتوحة من غير أن يصيبها ضرر، كما أن الله عز وجل أبقى أجسادهم من غير طعام ولا شراب {ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف:٢٥]، وهذا مما لا يقع في عادة الناس أبداً، بل لا يحتمله جسم إنسان، نعم يمكن أن ينام لمدة طويلة على أقل قدر من الطاقة التي تستهلك من جسمه كما تبيت حيوانات غير الإنسان شهوراً طويلة وتستيقظ بعد ذلك من البيات الشتوي مثلاً، وذلك لأنها تستهلك أقل قدر من الطاقة، ولكن هذه السنين الطويلة معجزة من المعجزات التي أيد الله عز وجل بها أولياءه الصالحين، أو كرامة لهم أكرمهم الله سبحانه وتعالى بها.

فالأولى في ذلك أن نقول كما قال الله: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} [الكهف:١٧]، وأما أن ذلك من الأمور الموافقة للعادة، وهو أن العين مفتوحة لأجل أن تكون أبقى، فهذا فيه نظر، والله أعلم.

يقول: وقد ذكر عن الذئب أنه ينام ويطبق عيناً ويفتح عيناً ثم يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد كما قال الشاعر: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بالأخرى الرزايا فهو يقظان نائم يتقي الرزايا بالعين الأخرى، فسبحان الله! العين لو نام شخص وعينه مفتوحة لا يرى بها، وليس أنه يتقي الرزايا بها؛ لأن المراكز نائمة، ولن تستقبل الأشعة والصور.

قال تعالى: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:١٨]، قال بعض السلف: يقلبون في العام مرتين، قال ابن عباس: لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض، وهذا موافق للطب فعلاً.

{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:١٨]، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة الوصيد الفناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>