للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)

بين النبي صلى الله عليه وسلم لـ عدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)) أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله، فاتبعوهم في ذلك؛ فذلك هو اتخاذهم إياهم أرباباً.

وهذا اتباع على تحريم الحلال وتحليل الحرام، وليس على مجرد فعل الحرام أو ترك الحلال، فهو اتباع على التبديل، بخلاف من يتبع مع اعتقاده بتحليل الحلال وتحريم الحرام، ولكنه يفعل ذلك معصية، كأن يجد فرصة للزنا فيزني، ولا يراه أنه حرية شخصية، بل يراه محرماً، بخلاف من لا يزني ولكنه يرى أن من أراد أن يزني فليزني لأنه حرية شخصية، وأن هذا الأمر مردود إلى اختيار الإنسان، وأن المشكلة تكون في الإكراه، وإذا كان الإنسان موافقاً فلا حرج؛ فمثل هذا ولو لم يزن فهو مشرك.

ومن أصلح الأدلة أن الله جل وعلا بين أنه من العجب أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله مع زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت متناقضة، وذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:٦٠]، وبهذه النصوص السماوية يظهر غاية الظهور الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، ولا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه -عن نور الوحي- مثلهم.

والعجب أن أناساً ينتسبون إلى الدين وإلى الدعوة يرون أن اتباع من يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أولئك مخالفٌ لما شرعه الله على ألسنة رسله صلوات الله وسلامهم عليهم أجمعين؛ مجرد معصية طالما لم يستحل ذلك، فإنه لا حرج عليه بل يدخل الجنة يوماً من الأيام! وهذا بلا شك وضع للأشياء في غير مواضعها، وخلط بين ما يناقض الإيمان من أصله وبين ما يناقض كماله.

وذلك أن وجود تشريع خلاف تشريع الله لهذه الآية واعتقاد أن الحكم يكون لغير الله شرك كما دلت عليه آية الكهف وآية النساء وآية سورة المائدة وآية سورة التوبة وآية سورة الشورى، فالآيات كثيرة جداً في أن الحكم صفة لله وحق له عز وجل، فمن صرفه لغيره سبحانه وتعالى فقد عبده.

<<  <  ج: ص:  >  >>