للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لا ملجأ من الله إلا إليه]

قوله تعالى: ((وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا))، يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله أصل ملتحد مكان الالتحاد، ومنه اللحد في القبر، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت:٤٠] أي: يميلون عن الحق، وقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠].

فمعنى اللحد والإلحاد الميل عن الحق، والملحد المائل عن دين الحق، وهنا الملتحد مكان الالتحاد، والمراد به هنا: المكان الذي يميل فيه، فلا ينجيه ذلك مما يريد الله أن يفعله به.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يجد من دونه ملتحداً، أي مكاناً يميل إليه ويلجأ إليه إن لم يبلغ رسالة ربه ويطعه.

وهذا المعنى جاء مبيناً في مواضع أخر، قال تعالى: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ} [الجن:٢١ - ٢٣]، إلا هنا استثناء منقطع، أي: لا يكون إلا بلاغاً من الله ورسالاته يجيرني من عذاب الله.

وقال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:٤٤ - ٤٧].

وكونه ليس له ملتحد، أي: مكان يلجأ إليه، تكرر نظيره في القرآن بعبارات مختلفة كالمناص والمحيص والملجأ والموئل والمفر والوزر، كقوله تعالى: {فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص:٣]، وكقوله: {وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} [النساء:١٢١]، وكقوله: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} [ق:٣٦]، وكقوله: {مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [الشورى:٤٧]، وقال تعالى: {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} [الكهف:٥٨]، وقال: {يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ} [القيامة:١٠ - ١١].

وكل ذلك راجع في المعنى إلى شيء واحد، وهو انتفاء مكان يلجئون إليه ويعتصمون به، وهذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان لا يجد من الله عز وجل ملجئاً إلا إليه، فَمَن دونه أولى بذلك، ولذلك لا يلتجأ إلا إلى الله، لا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا إلى أهل البيت، ولا إلى الأولياء.

لا نلتجئ إلا إلى الله بطاعته سبحانه وتعالى، فكيف بمن يستغيث ويحتمي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يجد من الله عز وجل ملتحداً إلا بطاعته؟ فكيف يمكن لأحد أن يستغيث بغير الله أو يلجأ لغير الله؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>