للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من أسباب الغفلة عن ذكر الله: التفريط في جنب الله]

تجد الدليل الواضح على خلق الله لأفعال العباد، قال: (أغفلنا) ولم يقل: غفل قلبه، وإنما قال عز وجل: ((أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ)).

إذاً: الله الذي أغفل قلبه وجعله في غفلة هو خالق أفعال العباد، وهو سبحانه الذي وضع الأمور في مواضعها، وما أضل هذا الذي أضله إلا لأجل فعل منه استحق به ذلك وصفة قبيحة فيه، لماذا أغفل الله قلبه عن ذكره؟ لماذا حرمه هذا الشرف؟ لماذا جعله موضعاً للضلال وللنجاسة في الإرادات والأعمال والأقوال؟ لأنه ((َاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)) أي: أنه اتبع الهوى وفرط في الواجب، واتبع الشهوات وضيع الصلوات وترك الواجبات وفعل المحرمات، وسبب ضلال بني آدم ترك الواجبات وفعل المحرمات، واتباع الهوى يجرك إلى مزيد من تضييع الواجبات، وهكذا تدور في دائرة لا نهاية لها إلا الاستقرار في جهنم والعياذ بالله.

تلحظ في نفسك أثر الطاعات والمكروهات والمحرمات، فأنت إذا أقبلت على الصلاة وفقت لغض البصر، ووفقت للبعد عن الشهوات، إذا صمت وصليت وقمت الليل تمكنت من نفسك، وتحكمت فيها، وإذا أطلقت بصرك حُرِمت قيام الليل، وهذا مثال بسيط، وإلا فكلما ازداد الذنب ازداد الحرمان، وازداد البعد عن الله عز وجل؛ لأن اتباع الهوى يؤدي إلى التفريط، ويؤدي إلى أنك تحرم من ذكر الله سبحانه وتعالى، ويؤدي إلى مزيد من الغفلة.

الله عز وجل أغفل قلب من أغفل عن ذكره؛ لأنه اتبع هواه، والله سبحانه وتعالى ذكر لنا أنه فعل هذا بهم عدلاً منه وحكمة؛ لأنهم فرطوا، فهم يريدون اتباع الهوى، وفرطوا في طاعتهم لله عز وجل، بل منهم من ضيعها بالكلية، فلذلك غفلت قلوبهم فأغفلها الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>