للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ابتلاء أهل الإيمان]

قال الله تعالى: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:١٢٤].

لقد فعل بهم ذلك، وهو قد رأى الآيات بعينه فالعجب منه، ولكن أعجب منه جنوده الذين يطبقون أوامره فهم عبيد لفرعون ينفذون الباطل مهما كان، وهم الذين رأوا البحر ينفلق أمامهم، ودخلوا وراءه ويقول لهم: إن البحر انفلق من أجلي! طاعة عجيبة مطلقة في تنفيذ الأوامر، ولو كان بدخول البحر الذي انفلق أمام أعينكم بضربة من عصا موسى، سبحانك ربي سبحانك! فقد طمس فرعون على القلوب والأبصار والعقول بهذه الطريقة، فهذا عدل من الله عز وجل؛ لأنهم اختاروا ذلك فاستخف قومه فأطاعوه {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [النمل:١٢]، فالفسق يؤدي إلى أن يطيع الإنسان بهذه الطريقة العمياء، وكان السحرة في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء بررة، فلما سجدوا رأوا منازلهم في الجنة كما ذكر بعض السلف.

{قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء:٥٠]، لن يضيرنا أن تقطع الأيدي والأرجل، فانظر إلى موقفهم، فمنذ لحظات كان هدفهم المال {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الأعراف:١١٣]، يريدون مالاً ومناصباً {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف:١١٤].

ليس مالاً فقط بل وتصيرون أيضاً من ذوي القربى، ومعلوم أن المقرب إلى السلطان يأخذ مالاً وزيادة، فهم في أول النهار كان همهم المال والمناصب والقرب من فرعون، وآخر النهار يقولون: اقطع وافعل ما تريد، نعوذ بالله من الطمس على القلوب ففرعون لا يتعظ أبداً.

قال سبحانه وتعالى: {قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:١٢٥ - ١٢٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>