للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نصيحة إبليس المخادعة لآدم وزوجه]

قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:٢٠].

فقد سماها شجرة الخلد، فهو يسمي الأشياء بغير اسمها ليبرر النيل المحرم منها، كما يسمون الخمر اليوم: مشروبات روحية وكما يسمون الاختلاط: حرية وتقدماً، وكما يسمون الانحلال والفساد حضارة ومدنية، فتسمية الأشياء بغير اسمها حيلة إبليسية، قال تعالى: ((مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ)).

إذاً: فالنهي موجود ومعروف، ولكن إبليس يسعى في تعليل النهي، فيقول: ربكما أمركما بكذا من أجل كذا، فإذاً هو لا يكره أن تكونا ملكين، ولا يكره أن تكونا خالدين، فهو يعلل النهي ليرتكبا المعصية، فما دامت لن تحقق هذا الشيء الذي نهاك عنه ربك من أجله فإذاً خالف النهي، فهو يقول له مثلاً: إن ربنا حرم علينا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام من أجل العداوة والبغضاء، لكننا سنشرب الخمر ولن تحصل بيننا عداوة وبغضاء، وسنلعب الميسر من غير شجار، فهذا هو أسلوب إبليس والعياذ بالله! فأقسم لهما بالله إنه ناصح لهما، وأليس من يحلف لك إنه ينصح لك تصدقه؟! وبعض السلف يقول: من خدعنا بالله انخدعنا، وهذا كلام غلط، واستدلال غير صحيح، فاليمين التي لا نعرف كذبها نقبلها، لكن إذا كنا نعرف أنه كذاب لا نقبل كلامه وإن حلف، وإلا فقبول النصيحة هذه كلفت آدم وذريته معاناة كثيرة جداً، ومنها النزول إلى هذا الشقاء كما قال: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:١١٧]، فالشقاء الذي حصل لنا هذا كان بسبب قبول النصيحة الكاذبة الخادعة التي قدر الله عز وجل ذلك لحكمه البالغة.

(وقاسمهما)، إذاً: ليس كل أحد يحلف باسم ربنا نصدقه إذا علمنا كذبه، فهو يحلف بالله إنه ناصح، قال تعالى: ((إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)).

وأما قولهم: إنه وسوس لـ حواء وهي وسوست لآدم، فالآية هذه ترد عليه، إذ قال ربنا: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف:٢٠]، {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٢١]، وهذا كلام اليهود في التوراة التي بين أيديهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>