للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر ما يمنعه الحيض]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الحيض.

ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة، وفعل الصيام , والطواف, وقراءة القرآن, ومس المصحف, واللبث في المسجد, والوطء في الفرج, وسنة الطلاق, والاعتداد بالأشهر].

الحيض لغة: السيلان, يقال: حاض الوادي إذا سال, وشرعاً: هو دم طبيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم, خلقه الله تعالى لحكمة تغذية الولد وتربيته, وهو شيء كتبه الله على بنات آدم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى عائشة وهي تبكي في حجة الوداع وهي محرمة, قال: (مالك أنفست؟ قالت: نعم, قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم).

وذكر المؤلف رحمه الله أن الحيض يمنع أشياء, ومنها: فعل الصلاة, فالحائض ممنوعة من الصلاة بسبب الحيض, وكذلك لا تجب عليها الصلاة حال حيضها، فلا تفعلها ولا تجب عليها ولا تقضيها بعد ذلك.

قوله: (وفعل الصيام).

فالحيض يمنع فعل الصيام، ولكن على الحائض أن تقضي الصيام بعد ذلك بخلاف الصلاة فإنها لا تقضيها، والحكمة في ذلك ظاهرة كما بين أهل العلم: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات, فلو وجب عليها قضاؤها لكان في ذلك تعب ومشقة، فمثلاً: لو حاضت عشرة أيام وقلنا: إنها تقضي الصلاة فإن عليها خمسين صلاة فيشق عليها, بخلاف الصيام فإنه عبادة سنوية، ويمكن قضاء ما عليها من أيام, خمسة أيام، ثلاثة أيام، أو عشرة أيام.

قوله: (والطواف) كذلك الطواف بالبيت تمنع منه الحائض, يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري).

ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة قافلاً من حجة الوداع قالوا: (إن صفية حائض, قال: أحابستنا هي؟ قالوا: إنها أفاضت، فقال: فلا إذاً).

فدل على أن الحائض تمنع من الطواف بالبيت.

قوله: (وقراءة القرآن) ذهب أكثر العلماء وأكثر الفقهاء إلى أن الحائض ممنوعة من قراءة القرآن عن ظهر قلب؛ قياساً على الجنب, لأن الجنب ممنوع من قراءة القرآن، واستدلوا أيضاً بحديث: (أن الحائض لا تقرأ شيئاً من القرآ).

ولكنه حديث ضعيف عند أهل العلم.

القول الثاني لأهل العلم: أن الحائض تقرأ عن ظهر قلب؛ لأن قياسها على الجنب قياس مع الفارق؛ لأن الجنب مدته لا تطول, والحائض مدتها تطول, وكذلك النفساء قد تصل إلى أربعين يوماً، وإذا كانت حافظة للقرآن قد تنسى القرآن, وأيضاً تحرم من هذا الخير وهو قراءة القرآن, والحديث الذي استدل به المانعون ضعيف, فعلى هذا تقرأ, ولأن الجنب يستطيع أن يغتسل إذا فرغ من حاجته ويقرأ القرآن, وأما الحائض والنفساء فلا تستطيعان ذلك، فقياس الحائض على الجنب قياس مع الفارق.

وقالوا: إن الحائض لا بأس أن تقرأ القرآن ولاسيما إذا احتاجت إلى ذلك، كأن تكون مدرسة أو طالبة أو حافظة للقرآن وخشيت أن تنسى فلا بأس أن تقرأ عن ظهر قلب.

وأما مس المصحف فلا.

قوله: (ومس المصحف).

يعني: لا تمس الحائض المصحف؛ لما جاء في كتاب عمرو بن حزم الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له عندما أرسله إلى اليمن وفيه: (ألا يمس القرآن إلا طاهر)، ولقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٩] في أحد الأقوال أن المراد بهم الملائكة, وقيل: يشمل أيضاً غير المتوضئ, فإذا كان المحدث حدثاً أصغر لا يمس المصحف, فالحائض لا تمس المصحف من باب أولى.

قال العلماء: إذا احتاج الإنسان إلى حمله يحمله في علاقة ولا يمسه بيده، ولكن يكون من وراء حائل, وإذا جعل في يديه قفازين فلا بأس.

قوله: (واللبث في المسجد).

كذلك اللبث في المسجد، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:٤٣]، فاستثنى الله تعالى العبور, يعني: الجنب لا يمكث في المسجد، ولكن له أن يعبر ويخرج من باب إلى باب, وكذلك الحائض ليس لها أن تلبث في المسجد، ولكن لها العبور، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد، فقلت: إني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك).

إذاً: فالحائض لا تلبث في المسجد, والجنب كذلك لا يلبث في المسجد كما نص الله: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:٤٣]، لكن العبور لا بأس به، يعني: الخروج من باب إلى باب للحائض أو الجنب, أو تأخذ الحائض شيئاً من المسجد وتخرج من دون لبث فلا بأس بذلك.

إذاً: فالحائض ممنوعة من اللبث في المسجد, كذلك سور المسجد له حكم المسجد، وأما إذا كان هناك غرفة خارج المسجد ولا ترتبط بالمسجد فلا بأس بالمكث فيها للحائض والجنب، كذلك الدور الأول والدور الثاني كل هذا تبع للمسجد مادام داخلاً في سور المسجد.

قوله: (والوطء في الفرج).

كذلك ليس لزوجها أن يطأها في الفرج, ولكن له أن يستمتع بها من غير جماع كالتقبيل والضم والتفخيذ، والمباشرة من فوق الإزار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس عند مسلم: (اصنع كل شيء إلا النكاح) يعني: إلا الجماع.

ولكن الأفضل إذا أراد أن يستمتع بها أن تستر ما بين السرة والركبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يستمتع بإحدى نسائه أمرها أن تتزر, يعني: أن تجعل إزاراً ما بين السرة والركبة، وهذا هو الأفضل حتى لا يقع في الخطأ, ولكن حديث (اصنع كل شيء إلا النكاح) دليل على الجواز.

وقال بعض أهل العلم: لا يجوز المباشرة فيما بين السرة والركبة إلا من وراء حجاب.

وقال آخرون: يجوز، ولكن الأفضل والأولى أن يكون هناك إزار احتياطاً.

إذاً: فالممنوع هو الجماع في الفرج حال الحيض، وأما الاستمتاع فيما بين السرة والركبة فلا بأس به, لكن إذا جعل إزاراً فهو الأحوط والأفضل.

قوله: (وسنة الطلاق).

يعني: ليس للإنسان أن يطلق زوجته وهي حائض, ويكون الطلاق بدعياً إن حصل في الحيض، فإذا كانت حائضاً أو نفساء فليس له أن يطلقها حال الحيض والنفاس، ولهذا لما طلق ابن عمر زوجته كما في الصحيحين, فأخبر عمر النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ وقال: (مره فليراجعها, ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، ثم إن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمس).

والطلاق في الحيض بدعة، ويقع الطلاق عند أكثر أهل العلم, وقال بعض أهل العلم: إنه لا يقع في الحيض, وذهب إلى هذا ثلة من أهل العلم.

والإمام البخاري رحمه الله جزم في ترجمته أن الطلاق في الحيض يقع, وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن الطلاق في الحيض لا يقع، وذهب شيخنا عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه أنه لا يقع, وهذا القول قال به قلة من التابعين.

قوله: (والاعتداد بالأشهر).

يعني: الحائض تعتد بالحيض أو الطهر ولا تعتد بالأشهر؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:٢٢٨]، واختلف العلماء في القرء هل هو الطهر أو الحيض؟ قيل: إن القرء هو الطهر, وقيل: هو الحيض, والأرجح أنه الحيض, فإذا كانت المرأة تحيض فإنها تعتد ثلاث حيض, فالحيض يمنع الاعتداد بالأشهر, وإنما الاعتداد بالأشهر إذا كانت المرأة آيسة كالكبيرة التي انقطع حيضها، أو الصغيرة التي لا تحيض، فالآيسة عدتها ثلاثة أشهر.