للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعاء الاستفتاح]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك].

وهذا الدعاء يسمى: دعاء الاستفتاح، فبعد أن يكبر تكبيرة الإحرام، يسن له أن يستفتح بهذا الدعاء ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.

فقوله: (سبحانك) تنزيهاً لله، أي: ننزهك يا الله! تنزيهاً لائقاً، قوله: (وبحمدك) أي: أجمع لك بين التنزيه والتحميد، وقوله: (وتبارك اسمك) من البركة، أي: تبارك اسمك يا الله! فإن البركة تنال باسمك، وقوله: (وتعالى جدك) أي: ارتفعت عظمتك، فالجد معناه هنا: العظمة، والجد له معان: فيطلق على العظمة كما في هذا الحديث، وكما في قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن:١ - ٣]، أي: عظمته.

ويطلق الجد على أب الأب، ويطلق الجد على الحظ، ومنه الدعاء الوارد بعد الصلاة: ولا ينفع ذا الجد منك الجد، أي: لا ينفع صاحب الحظ منك الحظ، والمراد بصاحب الحظ أي: حظه من الجاه والمال والغنى والسلطان، كل ذلك لا ينفع إلا إذا استعمله المرء في طاعة الله.

قوله: (ولا إله غيرك): فالإله هو المعبود، والمعنى: ولا معبود بحق سواك.

ويزيد بعض العامة: (ولا معبود سواك) وهذا غلط؛ لأن معنى: (لا معبود سواك) هو نفسه: (لا إله غيرك) فتصبح زيادته تكراراً لا معنى لها.

وهذا الدعاء هو أقصر ما ورد في الاستفتاح، وهو أفضل الاستفتاحات؛ لأن المرء إذا أتى به فقد أتى بتنزيه وثناء على الله، وثبت أن عمر رضي الله عنه كان يلقنه الناس على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك استفتاح آخر وهو أصح منه، وهو أن يقول: (اللهم! باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم! نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم! اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، وقد رواه الشيخان عن أبي هريرة، وإن كان الأول ثابت لكنه أفضل في ذاته؛ ولأن فيه ثناء وتنزيه لله عز وجل وإن استفتح باستفتاحات أخرى مثل ما جاء في حديث عائشة في صحيح مسلم: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، فحسن.

وقد ثبت استفتاح آخر وهو: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونسكي ومحيياي ومماتي لله رب العالمين، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين) وهو استفتاح طويل، وقد وردت في قيام الليل استفتاحات طويلة، في بعضها الشهادة بأن الجنة حق وأن النار حق وأن النبيين حق وأن الساعة حق وهو استفتاح طويل رواه ابن عباس، كذلك: (اللهم رب جبرائيل)، ورد في قيام الليل، أما في الفريضة فيستفتح بأحد الاستفتاحين: إما: (سبحانك اللهم وبحمدك)، أو (اللهم باعد بيني وبين خطاياي)، فهما استفتاحان مختصران، أحدهما أصح من الآخر، والثاني أفضل في ذاته وأخصر ويحفظه العامة والخاصة، أما: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي)، فهو وإن كان أصح فقد رواه الشيخان إلا أن بعض الناس لا يحفظه، والأمر في هذا واسع، ودعاء الاستفتاح غايته أنه مستحب وليس بواجب وهو سنة.

وكل صلاة لها استفتاح، سواء نافلة كصلاة التراويح والرواتب والقيام، أو فريضة كالصلوات الخمس.

ولا يشرع الجمع بين الاستفتاحين، ولكن يستفتح بهذا تارة وهذا تارة، وهذه هي السنة.

ولو قال قائل: هل يستفتح إذا جاء المصلي أثناء الصلاة؟

و

الجواب

أنه إذا كانت الصلاة سرية ولا يخشى أن يركع الإمام فيستفتح، أما إذا خشي المصلي أن يركع الإمام فيقتصر على الفاتحة؛ لأن الفاتحة واجب في حق المأموم، ودعاء الاستفتاح مستحب، أما إذا جاء في الصلاة الجهرية فلا يستفتح، بل يقتصر على الفاتحة؛ لأنه مأمور بالإنصات، والفاتحة مستثناة على الصحيح، وجمهور العلماء يرون أن الفاتحة لا تقرأ في الصلاة الجهرية، وأن قراءة الإمام كافية.

ومن الاستفتاحات الواردة أيضاً: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

وإذا استفتح بهذا فهو حسن.