للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[ألفاظ التشهد]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله].

وهذا يكون في الجلسة للتشهد الأول، والتشهد الثاني يقول منه: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

وهذا التشهد الثابت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو أصح التشهدات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ابن مسعود، عندما قال: علمني التشهد كفي بين كفيه، كما يعلمني سورة من القرآن: (التحيات لله، والصلوات والطيبات)، وهناك تشهدات أخرى منها تشهد ابن عباس وهو: التحيات لله المباركات الصلوات الطيبات، وتشهد أبي موسى وفيه اختلاف في تقديم الألفاظ وتأخيرها، لكن أصح ما جاء في التشهد هو التشهد السابق: التحيات لله، والصلوات والطيبات، والواو التي قبل الطيبات، تفيد معنىً جديداً، بخلاف تشهد ابن عباس فقد قال فيه: التحيات لله المباركات الطيبات فجعله وصفاً لشيء واحد، (والتحيات) أي: التعظيمات بجميع أنواعها كلها لله الملك، فله سبحانه وتعالى الكبرياء والعظمة، والجبروت والسلطان، والقدرة التامة، والعلم التام، والقهر التام، فجميع التعظيمات كلها لله، ملكاً واستحقاقاً، كما أن له الحمد بجميع أنواع المحامد ملكاً واستحقاقاً.

والله تعالى يحيىَّ ولا يسلم عليه وكان الصحابة في أول الهجرة يقولون في التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام ومنه السلام) ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات.

(والصلوات): المراد بها الصلوات الخمس، وقيل: الدعوات، ولا مانع من شمول الأمرين، فالصلوات الخمس وغيرها من أنواع الصلوات، وكذلك الدعوات كلها لله، وهو يدعى سبحانه وتعالى ويُصلى له ويركع ويسجد له.

(والطيبات): وهي الأعمال الطيبة من الأقوال والأعمال وكلها لله، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠].

فبدأ أولاً بحق الله بالترتيب، والذي رتب هذا الترتيب هو وحي من الله، أولاً: تعظيم الله والثناء عليه: (التحيات لله والصلوات والطيبات) ثم بعد ذلك السلام على النبي فتقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) (السلام): اسم من أسماء الله، وهو دعاء بالسلامة أيضاً.

(أيها النبي): وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (أيها) دلالة على الاستحضار.

(ورحمة الله وبركاته): يدعى له بالرحمة والبركة، واستدل بذلك الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، على أن الرسول لا يعبد؛ لأنه يدعى له بالسلامة، وعندما يدعى للنبي دليل على أنه محتاج، والمحتاج لا يصلح للألوهية، ويدعى له بالسلام، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يقولوا: السلام على الله؛ لأن الله لا يدعى له، وليس فوقه أحد سبحانه وتعالى، بل هو الكامل في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، ولا يلحقه نقص سبحانه وتعالى، وليس فوقه أحد بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يدعى له بالسلامة، وليس إله بل هو نبي كريم، يطاع ويتبع ويحب ولكن لا يعبد؛ فالعبادة حق الله.

(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين): وهذا القول شامل لعباد الله الصالحين من الملائكة ومن الإنس ومن الجن، فكل عبد صالح تشمله هذه الدعوة في السماء وفي الأرض.

(أشهد أن لا إله إلا الله) يعني: أقر وأعترف أنه لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله، وأن كل معبود سوى الله فهو معبود بالباطل.

(لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله.

(وأشهد) أي: أقر وأعترف، بأن محمداً بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي المكي ثم المدني العربي هو رسول الله حقاً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، هو عبد لا يعبد، ورسول يطاع ولا يكذب عليه الصلاة والسلام، وأشرف المقامات مقاماته وهي العبودية والرسالة، ولهذا وصفه الله بهذين الوصفين في مراتب عظيمة: في مقام الدعوة، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:١٩]، وفي مقام التحدي: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة:٢٣]، وفي مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:١]، وفي مقام الوحي: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:١٠]، فحاز على أشرف المقامات.

وهذا هو التشهد الأول، ثم بعد ذلك إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ينهض المصلي، وإن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فحسن، وذهب بعض العلماء كالشافعية وغيرهم إلى أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وذهب الجمهور بأنه يقتصر على: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم ينهض.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد].

وهو تشهد ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأنه قال: علمني الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد].

قال بعض العلماء: إنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، والجمهور قالوا: إنها تكون في التشهد الأخير الذي يعقبه السلام، وأصح ما قيل في صلاة الله تعالى على عبده ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، فأنت تسأل الله أن يثني على عبده ورسوله محمد في الملأ الأعلى.

(وعلى آل محمد) وهم: أتباعه على دينه.

وقيل: (آله) قرابته من أهل بيته، وقيل: إن هذا يختلف باختلاف اللفظ فإذا قيل على آله وأصحابه.

أي: إذا أفردوا الصحابة فتكون (آله) بمعنى قرابته، وعلى كل حال فـ (آله) تشمل أتباعه على دينه من قرابته وصحابته وأزواجه، فكلهم داخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم.

والصلاة على النبي جاءت لها أنواع كثيرة لكن أكملها ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الأنبياء، من الجمع بين محمد وآل محمد، وإبراهيم وآل إبراهيم في الصلاة والتبريك، ومن الأنواع: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.

وفي النوع الآخر: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.

وفي بعضها: في العالمين إنك حميد مجيد.

وفي بعضها: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته.

لكن أصح ما جاء في الصلاة عليه هو الجمع بين محمد وآل محمد في الصلاة وإبراهيم وآل إبراهيم في التبريك وهو ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.

وهذا أكمل ما ورد في الصلاة على النبي الكريم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: (يا رسول الله! علمنا السلام عليكم، -كيف نصلي عليك؟ - فسكت، ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد)، ولا يزاد على هذا، فلا يقال في الصلاة: اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وإن كان هو السيد عليه السلام لكن الأذكار والألفاظ المتعبد بها توقيفية لا يزاد عليها في الصلاة، أو تقول: اللهم صل على أفضل خلق الله محمد، لكن في الخطبة والموعظة لا بأس أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقائدنا رسول الله، لا بأس في الكتابة والخطبة لكن في الصلاة لا تزيد؛ لأن الأذكار توقيفية، وهي عبادة نتعبد الله بها، فالأذكار والألفاظ والأدعية التي وردت لا ينبغي أن يزيد عليها الإنسان.

وقد خفي أكمل أنواع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم مع سعة باعه واطلاعه وحفظه العظيم وكانت الكتب الستة كأنها بين عينيه، ومع ذلك فإن الكمال لله، فخفي عليه، فقال شيخ الإسلام وتبعه ابن القيم: لم يرد بين محمد وآل محمد، وإبراهيم وآل إبراهيم في الصلاة والتبريك، مع أنه ورد في صحيح البخاري ذلك.