للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما جاء في صلاة الخوف وصفاتها]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صلاة الخوف.

وتجوز صلاة الخوف على كل صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمختار منها أن يجعلهم الإمام طائفتين، طائفة تحرس والأخرى تصلي معه ركعة، فإذا قام إلى الثانية نوت مفارقته وأتمت صلاتها وذهبت تحرس، وجاءت الأخرى فصلت معه الركعة الثانية، فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعة أخرى، وينتظرها حتى تتشهد، ثم يسلم بها].

صلاة الخوف تشرع إذا خاف الناس من العدو وكانوا مواجهين في القتال، فإنهم يصلون صلاة الخوف، أو أحاط بهم العدو، ومثل إنسان خائف، فإنهم يصلون صلاة الخوف على أحد الوجوه التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام أحمد رحمه الله: ثبتت صلاة الخوف بستة أوجه أو سبعة أوجه كلها جائزة، وأنا أختار صلاة ذات الرقاع؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة وطائفة تجاه العدو.

وهنا قال: المختار منها هذه الصفة التي ذكرها المؤلف، وهو أنه يصلي بهم، فيكبر بهم جميعاً ويصلي بهم ركعة، فإذا قام للركعة الثانية نوت الطائفة الأولى المفارقة أو الصف الأول وأتوا بركعة وأتموا لأنفسهم، ثم يصلي بطائفة ركعة فإذا قام إلى الركعة الثانية أتمت لنفسها ونوت المفارقة، وصلى بالطائفة الثانية الركعة التي بقيت، فإذا أتم الركعة ثبت جالساً، فتقوم هذه الطائفة وتكمل لنفسها، فتأتي بركعة، وينتظرهم حتى ينتهوا من التشهد ثم يسلم بهم، هذه إحدى صفات صلاة الخوف.

ومن صفات صلاة الخوف أنه يصلي بطائفة ركعتين، وبطائفة أخرى ركعتين، فتكون الأولى له فريضة، والثانية له نافلة، وفيه دليل على صحة ائتمام المفترض بالمتنفل كما كان معاذ يصلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم الفريضة، ثم يصلي بأصحابه تلك الصلاة نافلة في أطراف المدينة، فهذه كلها أنواع.

ومن صفات صلاة الخوف: أنه يصلي إلى غير القبلة وذلك إذا كان العدو في جهة ثانية، فيصلي إلى وجه العدو ولو كان إلى غير القبلة.

ومن صفات صلاة الخوف: أنه عليه الصلاة والسلام صلى بهم، فصفهم صفين، ثم كبر بهم وكبروا جميعاً، ثم ركع وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وبقي الصف الثاني يحرس؛ لأنهم سيهجم عليهم العدو لو كانوا يسجدون جميعاً، ثم لما قام في الركعة الثانية وتأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني، ثم كبر وكبر بهم جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه -الذي كان قبل هو الصف الثاني- وبقي الصف الثاني يحرس -الذي كان هو الصف الأول- ثم أتمت كل طائفة لنفسها ركعة.

فالمقصود أن صلاة الخوف جاءت على أنواع، فيفعل المسلمون ما يكون أيسر عليهم، وإذا اشتد الخوف كما سيأتي يصلون على حسب أحوالهم سواء كانوا ماشين أو راكبين، إلى القبلة أو إلى غير القبلة، وإذا لم يتيسر لهم على الصحيح أخروها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوم الأحزاب، وصلى صلاة العصر بعد المغرب.

قال عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله -وجعل يسب الكفار- ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إن صليتها -يعني: ما صليتها- ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وصلى صلاة العصر بعد المغرب، ثم صلى بعدها المغرب) وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، وفي لفظ في غير الصحيح: (أنه صلى أربع صلوات؛ الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء) فجمهور العلماء ذهبوا إلى أن هذا قبل شرعية صلاة الخوف، أما بعد صلاة الخوف فلا تؤخر الصلاة، وإنما تصلى على إحدى الأوجه التي وردت، وقال آخرون من أهل العلم: لا يلزم أن تكون قبل شرعية صلاة الخوف، وقد اختلف في وقت زمان شرعيتها، وقالوا: إنه حتى ولو بعد شرعية صلاة الخوف إذا لم يتمكن المسلمون من أداء الصلاة في وقتها أخروها، قالوا: ويدل على هذا أن الصحابة بعد أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحوا تستر، كان الفتح قبيل طلوع الفجر، وكان الناس متفرقين عند ضياء الفجر، فبعضهم على الأسوار، وبعضهم على الأبواب، ولا يستطيعون أن يصلوا، ولو صلوا لهجم عليهم العدو فأخروا الصلاة حتى تم الفتح، فتسلقوا الأسوار وفتحوا الأبواب وتم الفتح وصلوا صلاة الفجر وقت الضحى.

قال أنس رضي الله عنه: ما أحب أن لي بها الدنيا يعني: إن أخرتها في الله ومن أجل الجهاد في سبيل الله، فدل هذا على أن الصحابة يرون أنه لا بأس بأن تؤخر الصلاة عن وقتها من أجل الجهاد إذا لم يتمكنوا من أدائها في الوقت، وهو اختيار البخاري وجماعة.

وهذه الصلاة على حسب ما هو الأيسر لهم، إن كان الأيسر فرادى صلوا فرادى، وإن كان الأيسر الجماعة صلوا جماعة.

وصلاة الخوف عذر في تأخير الصلاة إذا كانوا في السفر، وجاء في بعض الروايات أن صلاة السفر ركعتان وصلاة الخوف ركعة، جاء عن ابن عباس: (صلاة الخوف ركعة، وصلاة الحضر أربع، وصلاة السفر ركعتان).

وجاء عن ابن عباس وجماعة أنه في وقت المسايفة -يعني: المقابلة بالسيوف- وقطع الرقاب أنه تجزئ تكبيرة بتكبيرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وينتظرها حتى تتشهد ثم يسلم بها، وإن اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً إلى القبلة وإلى غيرها يومئون بالركوع والسجود].

فإذا اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً، رجالاً: ماشين على الأرجل، وركباناً: راكبين على الإبل، أو المركوبات الجديدة كالدبابات أو غيرها أو الطائرات فيصلون على حسب أحوالهم رجالاً وركباناً، يعني: ماشين على الأرجل وغيرها، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها على حسب حالهم، فيومئون بالركوع والسجود.

وهل في صلاة الخوف يجوز صلاة ركعة؟

الجواب

إذا اشتد الخوف، وليس دائماً، وإنما في بعض الحالات على ما جاء عن ابن عباس، وإلا الأصل أنها مثل صلاة السفر ركعتان، فإذا أمكن صلوها ركعتين، ويومئون بالركوع والسجود إذا لم يتمكنوا، وإذا تمكنوا صلوها على الأرض أو وهم ركباناً أو مشاة على حسب الحال، أو يؤخرونها حتى يتم الفتح، كما أخر الصحابة صلاة الفجر لما فتحوا تستر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك كل خائف على نفسه يصلي على حسب حاله ويفعل كل ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره].

إن كان خائفاً يصلي ولو كان ماشياً أو يركض ركضاً، وقد بوب أبو داود فقال: باب صلاة الخائف.

فالخائف يصلي ولو كان ماشياً، أو مسرعاً، ويومئ بالركوع والسجود، إذا كان يخاف أن يدركه العدو؛ لأنه لو وقف لأدركه العدو، فالخائف له حالة خاصة، والخائف: هو الهارب من العدو، فيصلي على حسب حاله، ولو كان يمشي يومئ بالركوع والسجود.