للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم إهداء القرب وثواب الأعمال للميت]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك].

إذا أراد أن يهدي ثواباً للميت أي قربة فعلها وجعلها لمسلم حي أو ميت نفعه، هكذا يقول هنا، والعبارة في الزاد: (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعه) على هذا يجوز له أن يتصدق عن الميت ويحج عنه ويعتمر ويصلي له ركعتين؛ لأن هذه قربة يهدى ثوابها للميت، ويصوم عنه يوماً ويجعل ثوابه للميت، ويقرأ القرآن ويجعل ثوابه للميت، ويسبح ويجعل ثوابه للميت على هذا القول، فهذا قول ذهب إليه بعض العلماء كالحنابلة والأحناف.

القول الثاني: أن الميت لا ينفعه إلا أربعة أشياء: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة؛ لأن هذا هو الذي وردت فيه النصوص، وما عداه فإنه لا يهدى ثواب للميت، فلا تصلي عنه ركعتين ولا تصوم عنه، إلا إذا كان عليه أيام من رمضان أو أيام نذر أو كفارة فإنه يصام عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) إن أحب وليه صام عنه، فإن لم ير ذلك فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً، والصواب الذي عليه المحققون وهو مذهب المالكية والشافعية: أن الميت لا يهدى له إلا ثواب الدعاء والصدقة والحج والعمرة، وبهذا جاءت النصوص، أما كونه يصلي ركعتين وينوي ثوابها للميت فهذا ما عليه دليل، أو يصوم يوماً وينوي ثوابه للميت، أو يقرأ القرآن وينوي ثوابه للميت، أو يطوف بالبيت سبعة أشواط وينوي ثوابها للميت، أو يسبح وينوي ثوابه للميت فهذا ما عليه دليل، والذين قالوا بذلك قاسوا على الدعاء والصدقة، فقال لهم الآخرون: لا تقيسوا، فالعبادات ليس فيها قياس، العبادات توقيفية، والأصل في العبادات الحظر والمنع، وهذا هو الصواب، أنه يأتيه الثواب على ما وردت به النصوص، فيتصدق عن الميت يحج عنه ويعتمر ويدعو له، أما الصلاة والصوم وقراءة القرآن فلم ترد، والصوم الواجب يقضى عنه، إذا كان عليه صيام من رمضان ولم يتمكن من قضائه ولم يقضه أو كان عليه نذر أو كفارة فلا بأس أن يصوم عنه الولي إن أحب، وإن لم يحب فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها.

وذكر المعلق أن الإمام أحمد يرى جواز ذلك وابن تيمية له قولان في المسألة، قال المعلق: قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه، ذكره المجد وغيره.

وزاد في الروض: أنه حتى لو أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم جاز ووصل إليه الثواب.

وهذا قول ضعيف، بل بدعة، وهو إهداء الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قال به بعض المتأخرين، والصواب الذي عليه المحققون: أنه بدعة، ما فعله السلف ولا الصحابة، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم له مثل أجر الأمة عليه الصلاة والسلام فلا يحتاج إلى ذلك، والرسول له مثل أجرك سواء أهديته له أو لم تهده، قال صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجره) وكل خير نالته الأمة فعلى يديه عليه الصلاة والسلام وبسببه.

وجاء في حاشية المقنع ما يلي: لكن قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى: لم يكن من عادة السلف إن صلوا تطوعاً أو صاموا تطوعاً أو حجوا تطوعاً أو قرءوا قرآناً يهدون ذلك لموتى المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل.

وقال أبو العباس في موضع آخر: الصحيح أنه ينتفع الميت بجميع العبادات البدنية من الصلاة والصوم والقراءة كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة والعتق ونحوهما باتفاق الأئمة، وهذا قوله، وكذلك ذهب ابن القيم إلى هذا، ونقل صاحب شرح الطحاوية الأقوال، والصواب: أن العبادات توقيفية، وأنه يقتصر على ما وردت فيه النصوص.