للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن حديث الفطرة تفرد به حميد بن عبد الرحمن]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به حميد بن عبد الرحمن.

أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتجون إبلكم هذه، هل تحسون فيها من جدعاء؟)].

(كما تنتجون)، تنتج على الوقت الذي هو محدد لها.

[(ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: فاقرءوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:٣٠]).

قال أبو حاتم: قوله صلى الله عليه وسلم: (فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) مما نقول في كتبنا: إن العرب تضيف الفعل إلى الآمر كما تضيفه إلى الفاعل، فأطلق صلى الله عليه وسلم التهود والتنصر والتمجس على من أمر ولده بشيء منها بلفظ الفعل؛ لا أن المشركين هم الذين يهودون أولادهم أو ينصرونهم أو يمجسونهم دون قضاء الله عز وجل في سابق علمه في عبيده].

المراد: أنهم بتعليمهم إياهم يتسببون في انتقالهم إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية، وإلا فالله هو المقدر، ولا يوجد شيء إلا بقضاء الله وقدره.

أي: أن الله تعالى هو الهادي والمضل، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته.

أحد الأقوال وهو رواية عن الإمام أحمد أن الفطرة الخلقة التي خلق عليها، والقول الثاني: أن الفطرة هي الإسلام، وقيل: الفطرة هي الدين، لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يعرف الشريعة بالفطرة ولا حاجة إلى الرسل، بل المعنى أنه يقر بوجود الله ويعرف ربه، ويقبل الحق ممن جاء به إلا إذا غير، وإلا لو كان معنى الفطرة: أنه يولد ويعرف كل شيء لم يكن هناك حاجة إلى الرسل، بل المعنى: أنه يقبل ما جاءت به الرسل إلا إذا جاءته مؤثرات خارجية.

قال: [على ما أمر ولده بشيء منها بلفظ الفعل، لا أن المشركين هم الذين يهودون أولادهم أو ينصرونهم أو يمجسونهم دون قضاء الله عز وجل في سابق علمه في عبيده، وعلى حسب ما ذكرنا في غير موضع من كتبنا، وهذا كقول ابن عمر رضي الله عنه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه في حجته) يريد به: أن الحالق فعل ذلك به صلى الله عليه وسلم لا نفسه، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: (من حين يخرج أحدكم من بيته إلى الصلاة فخطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة) يريد: أن الله يأمر بذلك، لا أن الخطوة تحط الخطيئة أو ترفع الدرجة، وهذا كقول الناس: الأمير ضرب فلاناً ألف سوط، يريدون: أنه أمر بذلك لا أنه فعل بنفسه].

<<  <  ج: ص:  >  >>