للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما: قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: خرجت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميرى حاجين أو معتمرين وقلنا: لعلنا لقينا رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].

وفي اللفظ: لو وفق أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فنسأله عن القدر فلقينا ابن عمر فظننت أنه يكل الكلام إلي فقلنا: يا أبا عبد الرحمن قد ظهر عندنا أناس يقرءون القرآن يتقفرون العلم تقفرا].

قوله: يتقفرون العلم: أي: يطلبون العلم ويقرءون القرآن، أي: أن في البصرة أناساً يقرءون القرآن ويطلبون العلم، ولكنهم يعتقدون هذه العقيدة الخبيثة وهي نفي القدر.

قول المصنف رحمه الله: [يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف].

أي: ينفون القدر، ويقولون: لا قدر، أولم يقدر الله الأشياء، قوله: وأن الأمر أنف، أي: مستأنف وجديد، فلا يعلم به الله حتى يقع، فإذا وقع علمه الله، وهؤلاء كفرة، وهم القدرية الأولى، الذين أنكروا علم الله، ونسبوا الله للجهل، وقد انقرضوا، ثم بقي عامة القدرية الذين يثبتون العلم والكتابة لكن ينفون عموم الإرادة وعموم الخلق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: فإن لقيتهم فأعلمهم أني منهم بريء وهم مني برآء والذي يحلف به ابن عمر: لو أن أحدهم أنفق مثل أحد ذهباً ثم لم يؤمن بالقدر لم يقبل منه، ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالساً، إذ جاء رجل شديد سواد اللحية، شديد بياض الثياب، فوضع ركبته على ركبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! ما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت)].

ويقصد بهذه الأركان الإسلام الظاهر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(قال: صدقت قال: فعجبنا من سؤاله إياه وتصديقه إياه، قال: فأخبرني: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره حلوه ومره.

قال: صدقت قال: فعجبنا من سؤاله إياه وتصديقه إياه)].

وهذه خصال الإيمان, إذ الإيمان: أمور باطنة، فجميع هذه الخصال باطنة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [(قال: فأخبرني: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني متى الساعة؟ قال: ما المسئول بأعلم من السائل، قال: فما أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: فتولى وذهب فقال عمر: فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثالثة، فقال: يا عمر! أتدري من الرجل؟ قلت: لا، قال: ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)].

وهذا الحديث رواه البيهقي في صحيحه مطولاً، ورواه الشيخان من حديث أبي هريرة مختصراً، وفي الحديث بيان خصال الإسلام، وخصال الإيمان، وفي آخر الحديث قال: (أتاكم جبريل يعلمكم دينكم -وفي لفظ- أمر دينكم)، فدل على أن الدين له مراتب ثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وقد أتى به المؤلف ليبين خصال الإسلام وخصال الإيمان.

وقد ترجم له كما تقدم ذكر الإخبار عن وصف الإسلام والإيمان بذكر جوامع شعبهما.

وعند المحققين من أهل العلم أن الإسلام والإيمان يختلف معناهما بالاقتران والافتراق، فإذا اقترنا كما في هذا الحديث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة.

وإذا جاء أحدهما وحده وأطلق دخل فيه الآخر، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] فالإسلام هنا يشمل الأعمال الباطنة والظاهرة كذلك، الإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام والإيمان، هذا هو الصواب، أما إذا اجتمعا فيكون لكل واحد منهما معنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>