للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم ترك الإنسان لما أباح الله له]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم بترك الانزعاج عما أبيح من هذه الدنيا بإغضائه.

أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا ابن أبي السري قال: حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة عثمان بن مظعون -واسمها خولة بنت حكيم - على عائشة رضي الله عنها وهي بذة الهيئة فسألتها عائشة: ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت عائشة ذلك له، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون فقال: (يا عثمان! إن الرهبانية لم تكتب علينا، أما لك فيّ أسوة حسنة؟! فو الله! إني لأخشاكم لله وأحفظكم لحدوده) صلى الله عليه وسلم] ينبغي للإنسان ألا يترك ما أباح الله له من المباحات، وهذا مثل حديث الرهط الذين سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنهم استقلوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الثاني: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: فأما أنا فلا أتزوج النساء، فلما علم النبي عليه الصلاة والسلام بأمرهم قال: (ما بال رجال يقولون كذا وكذا؟! والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) فينبغي للإنسان أن يلزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وألا يترك ما أباح الله له فينفذ نوع من العبادة بتكلف ويقصر في الأنواع الأخرى؛ لأن الإنسان إذا انصرف مثلاً إلى صلاة الليل وبالغ فيها أخل بالواجبات الأخرى كالكسب له ولأولاده والتقصير في حق أهله، والضيوف، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ سلمان لما زار أبا الدرداء وقد آخى بينه وبين أبا الدرداء، فكانت أم الدرداء متبذلة فسألها أخاها سلمان فقالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا فزار أبو الدرداء سلمان، فقدم له طعام، قال أبو الدرداء: كل فإني صائم، فقال: لا آكل حتى تأكل فأصر عليه حتى أكل ثم نام من أول الليل، فلما أراد أبو الدرداء أن يقوم قال له سلمان: نم فلما كان ثلث الليل أراد أن يقوم، فقال له سلمان: نم، فلما مضى نصف الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فقال له سلمان: نم، فلما كان آخر الليل قال: قم الآن، فقاما فصليا، ثم قال له سلمان: إن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، فاعط كل ذي حق حقه، فلما ذهب أبو الدرداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>