للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرك الرجاء]

النوع الثالث من أنواع الشرك في العبادة والألوهية: الشرك في الرجاء، وهو: أن يرجو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ليحصل له مطلوب من جهته، ومثال ذلك الذين يقصدون الأموات فيدعونهم من دون الله، ويذبحون لهم وينذرون رجاء أن تحصل لهم مطالبهم من نصر أو رزق أو شفاعة، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ} [البقرة:٢١٨]، قال علي رضي الله عنه: (لا يرجُوَنَّ عبدُ إلا ربه)، والمراد بالرجاء هنا رجاء الشرك الذي يكون فيما وراء الأسباب، كأن يرجو ميتاً أو غائباً بسره أن ينصره على عدوه، أو يدخله الجنة، أو يسلمه من النار، أو لا يحرمه دخول الجنة، فهذا يرجوه بسره لا بسبب ظاهر، فهذا شرك أكبر، والمراد الرجاء الذي يكون معه محبة للمرجو وذل وخضوع، وكل محب فهو خائف راج بالضرورة، فيرجو حصول المطلوب ويخاف من فواته، فهو راج خائف بالضرورة، فهو أرجى ما يكون في أحب ما يكون إليه، فهذا رجاء العبادة، وهو الرجاء الذي يكون فيما وراء الأسباب، فهو ليس ظاهراً، بل يرجوه بسره لا بسبب ظاهر، فيرجوه أن ينصره على عدوه، ويغفر ذنوبه، ويوفقه، فهذا هو رجاء السر، وهو رجاء العبادة.

أما من رجا حياً حاضراً فيما يقدر عليه فهذا ليس بشيء؛ لأنه رجاء عادي، كأن ترجو أخاك أن يصلح سيارتك، أو يبني بيتك، أو يقرضك مالاً، فهذا ليس شركاً؛ لأنه رجاء عادي أسبابه ظاهرة، لكن رجاء العبادة هو رجاء السر الذي يكون فيما وراء الأسباب، ولهذا فإن العبادة التي أمر الله بها هي التي تتضمن معنى الحب والخوف والرجاء، ولها ثلاثة أركان: المحبة والخوف والرجاء، ولابد من اجتماعها في العبادة، وهذه الأركان الثلاثة موجودة في فاتحة الكتاب في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، فهذه هي المحبة، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] هذا هو الرجاء، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] هذا هو الخوف، فمن عبد الله بالمحبة والخوف والرجاء فهو المؤمن الموحد، ومن عبد الله بواحد منها وتعلق بواحد منها فليس بعابد لله على الحقيقة، فمن عبد الله بالحب وحده فهو صوفي زنديق، يقول أحدهم: ما عبدت الله خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته، ولكن عبدته حباً لذاته وشوقاً إليه، فهذه طريقة الزنادقة، لا يعبدون الله بالخوف والرجاء، والله تعالى قال عن أنبيائه ورسله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء:٩٠]، وقال عن أوليائه: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:١٦]، وإذا عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، وإذا عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، وإذا عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد.

وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>