للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شرح التوبة]

الشرك في التوبة هو: أن يتوب العبد لغير الله فيما هو من خصائص الله وفيما لا يقدر عليه غير الله تعالى، وفي العبادات التي تخص الله عز وجل.

فإذا تاب لغير الله، وطلب التوبة والمغفرة من غير الله فقد وقع في الشرك، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥].

وثبت في مسند الإمام أحمد رضي الله عنه: (أن أسيراً أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب لمحمد.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عرف الحق لأهله)، قال الله تعالى: {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر:٥٦]، فالله أهل المغفرة وأهل التقوى، {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥].

فمن تاب لمخلوق وطلب منه أن يغفر ذنبه، وأن يمحو سيئته؛ لأنه ترك شيئاً من أنواع العبادة فقد وقع في الشرك، وهذا يقع عند الصوفية، فالمريد يتوب عند الشيخ، فيتوب عليه ويغفر ذنبه، وهذا شرك؛ لأن التوبة عبادة كما أن الصلاة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، والتوبة عبادة لا تكون إلا لله، وكذلك النصراني يتوب عند القسيس، فيغفر ذنوبه كلها، فهو قد فعل الجرائم كلها ثم يتوب منها.

وبعض الشيعة يتوب عند الرئيس من الشيعة، ويعطيه صك المغفرة، وفيه فتوى بأنه مغفور له، وأنه يدخل الجنة، فهذا شرك بالله تعالى، كتوبته من الزنا، أو السرقة، أو شرب الخمر، أو ترك الصلاة، أو غير ذلك من العبادات، والمسلم يتوب إلى الله لتقصيره في الواجبات، أو اجتراحه لبعض المحرمات، فيتوب إلى الله، فلا أحدَ يُتابُ إليه في فعل شيء من المحرمات أو ترك شيء من الواجبات، فالتوبة من خصائص الله، وهي عبادة لا تكون إلا لله، فليس بعد التوبة النصوح إلا تكفير السيئات ورفع الدرجات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم:٨]، وقال الله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١].

فلا يتاب إلا إلى الله عز وجل، والله تعالى هو الذي يغفر الذنوب، فإذا قصرت في واجب فإنك تتوب إلى الله، وإذا فعلت محرماً تتوب إلى الله، وتندم على ما مضى، وحقيقة التوبة الندم على ما مضى، والإقلاع عن المعصية، والعزم على ألا تعود إلى المعصية مرة أخرى.

وإذا كانت المعصية بينك وبين الناس فإنك ترد المظلمة إلى أهلها، فإن كانت مالاً ترده لأهله، أو كانت تتعلق بالبدن تسلم نفسك حتى يقتص منك، أو تُسامَح فيه، وإن كانت في عرض فإنك تتحلل منهم.

فإذا كانت التوبة في حق المخلوق فلا بأس، أن تطلب منه أن يسامحك، فتقول: يا فلان! سامحني، فأنا تبت من تقصيري في حقك.

فلو قصرت في حق والدك، أو حق صديقك فلا بأس بأن تتوب إليه فيما هو من حقه، وفيما هو من خصائصه.

وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: (أنها وضعت نمرقة فيها صور فتغير النبي صلى الله عليه وسلم وهتكها، قالت عائشة: ماذا أذنبت يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم) فهي تتوب إلى الله فيما هو من خصائص الله، وتتوب إلى الرسول فيما هو من حقه، أي: إن كنت قصرت في حقك فأنا أتوب إليك يا رسول الله مما وقعت فيه من التقصير في حقك، وأتوب إلى الله من المعصية إن كنت فعلت المعصية.

وأما التوبة في العبادات والواجبات وترك المحرمات فإنها تكون إلى الله، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥]، وقال سبحانه: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر:٥٦].

وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على محمد وآله.

<<  <  ج: ص:  >  >>