للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشرك في الطاعة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فإن من أنواع الشرك في العبادة: الشرك في الطاعة، وهو أن يطيع مخلوقاً في معصية الله، من تحليل حرام، أو تحريم حلال، سواء أكان هذا المخلوق عالماً، أم عابداً أم رئيساً أم ملكاً أم غير ذلك، فهو أن يطيع مخلوقاً في معصية الله من تحليل حرام، أو تحريم حلال، فيكون بذلك قد اتخذه رباً من دون الله؛ لأن التحليل والتحريم من خصائص الربوبية، أي: من خصائص الله عز وجل.

فالمشرع هو الله سبحانه، وهو المحلل والمحرم، قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:٢١] وقال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣١] والآية في أهل الكتاب من اليهود والنصارى، والأحبار: هم العلماء، والرهبان: هم العباد، قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١].

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلى هذه الآية، {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣١] فقال عدي بن حاتم رضي الله عنه -وكان نصرانياً فأسلم-: لسنا نعبدهم يا رسول الله!) أي: لسنا نعبد أحبارنا أو رهباننا، فلسنا نعبد العلماء أو العباد، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن طاعتهم في التحليل والتحريم هي عبادتهم من دون الله، واتخاذهم أرباباً من دون الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (أليسوا يحلون ما حرم الله فتحلونه؟! ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟! قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم) فبين له صلى الله عليه وسلم أن عبادتهم واتخاذهم أرباباً من دون الله إنما هي طاعتهم في التحليل والتحريم.

يعني: يعتقد أن له حق التحليل والتحريم، فهذا العالم أو هذا العابد أو هذا الرئيس يأمره بالمعصية فيعتقد حلها، فيطيعه في تحليلها، فيحل له الخمر -مثلاً- فيعتقد حله، ويحل له الزنى فيعتقد حله، ويحل له نكاح المحارم فيعتقد حله، وهكذا.

أما طاعتهم في المعصية من غير اعتقادهم حلها؛ فلا يكون عبادة لهم من دون الله، بل تكون معصية، فإذا أطاع العالم أو أطاع العابد أو الرئيس في معصية من دون اعتقاد حلها، وإنما أطاعه اتباعاً للهوى، وطاعة للشيطان، وهو يعتقد أنها ليست حلالاً؛ فهي معصية، وليست عبادة له من دون الله.

والمقصود أن الشرك في الطاعة أن يطيع المخلوق في المعصية من تحليل حرام مع اعتقاد حله، أو تحريم حلال مع اعتقاد حرمته، أما إذا أطاعه في المعصية من دون اعتقاد حلها فإنه لا يكون مشركاً، ولا عابداً له من دون الله، وإنما يكون فعله معصية من جنس المعاصي، فإذا أمره بشرب الخمر فشربه يكون مرتكباً لكبيرة، وإذا أطاعه في تحليل الخمر يكون قد اتخذه إلهاً ورباً من دون الله، وفرق بين الأمرين: بين الطاعة في التحليل والتحريم، والطاعة في المعصية من دون اعتقاد حلها.

فالطاعة في التحليل والتحريم تكون شركاً، وعبادة له من دون الله، وطاعته في المعصية من دون اعتقاد حلها معصية.

<<  <  ج: ص:  >  >>