للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم علاج السحر بالسحر]

السؤال

رجل صالح ابتلي بإصابة زوجته بالسحر، فعالجها بالرقية الشرعية فترة من الزمن عند كثير من القراء الصالحين، ولكنها لم تشف، وتراوده نفسه بعلاجها عند بعض السحرة؛ لأنهم قد ضمنوا له علاجها، وقد قيل له: يجوز ذلك عند الضرورة القصوى، فما رأيكم؟

الجواب

الذي أنصح به هذا السائل ألا يذهب إلى السحرة، وعليه أن يكرر العلاج بالقرآن والأدوية والدعوات المباحة والمشروعة، مع التضرع إلى الله والابتهال إليه وسؤاله العافية والشفاء، فإن الشفاء بيد الله، وهذا ابتلاء وامتحان، وعليه الصبر والتحمل، والمرض يكفر الله به السيئات ويرفع به الدرجات.

ومعلوم أن النشرة -وهي حل السحر عن المسحور- نوعان كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله: نوع جائز ونوع محرم، وفي هذا تجتمع النصوص؛ فإنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وقال الحسن رحمه الله: لا يحل السحر إلا ساحر.

وقال قتادة: قلت لـ ابن المسيب: رجل به طب أو يؤخر عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلا ينهى عنه.

فهذه النصوص وهذه الآثار في بعضها جواز النشرة، وفي بعضها المنع من النشرة، والجمع بينهما: أن ما ورد من الآثار والنصوص في المنع محمول على النشرة المحرمة، وهي النشرة التي من عمل الشيطان التي تكون عن طريق الذهاب إلى السحرة، ولهذا قال الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر.

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وقال ابن المسيب لـ قتادة لما سأله: رجل به طب أو يؤخر عن امرأته -يعني: يدخل على امراته فلا يصل إلى جماعها- أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلا ينهى عنه.

فهذا محمول على النشرة الجائزة، ولهذا قال العلامة ابن القيم رحمه الله: النشرة نوعان: النوع الأول: محرم، وهو أن يعالج عن طريق حل السحر عن الساحر، وهو حله عن طريق الإتيان إلى السحرة؛ لأنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور، وهذا طريق مسدود ومحرم؛ لأن الناشر والمنتشر يتقرب إلى الشيطان بما يحب من الشركيات فيبطل عمله عن المسحور.

والثاني: النشرة عن طريق الرقية الشرعية، وقراءة القرآن، والأدوية المباحة، والدعوات التي لا محذور فيها.

فالسائل أنصحه أن يداوم على النشرة الشرعية، وليحذر من الإتيان إلى الكهنة والسحرة، وعليه أن يصبر ويحتسب ويتضرع إلى الله ويبتهل إليه في شفاء مريضه، وعليه مع ذلك أن يستعمل الأسباب الشرعية، وهذه من المصائب التي قدرها الله، وهي خير للمؤمن، تكفر بها السيئات، وترفع بها الدرجات، وقد ورد في الحديث الصحيح أن المؤمن يكون له الدرجة العالية من الجنة لا يبلغها بكثير عمل، وإنما بالمصائب التي أصيب بها واحتسب، وإذا رضي بالمصيبة صار له ثواب أعظم، وإذا اعتبرها نعمة وشكر الله عليها صار من عباد الله الخلص.

فالناس حينما تنزل بهم المصائب والنكبات يكون على أقسام: القسم الأول: من يجزع ويتسخط، ويفعل ما حرم الله، ويلطم الخد ويشق الثوب، وينتف الشعر، ويدعو بالويل والثبور، فهؤلاء تسخطوا ولم يصبروا، فتركوا الصبر وهو واجب، ومن ترك الواجب فإنه يأثم، ولهذا جاء في الحديث: (النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب) والسربال: ثوب من قطران، حتى يكون اشتعال النار به أشد، وتكسى ردعاً من جرب، ثم تشعل فيه النار والعياذ بالله، لأنها ناحت ولم تصبر، وإنما تسخطت، وهذا متسخط حصل على الإثم والوزر.

القسم الثاني: من يصبر عند المصيبة، والصبر هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشفي، وحبس الجوارح عن فعل ما لا يرضاه الله، فلا يلطم خداً ولا يشق ثوباً، ولا ينتف شعراً، بل يصبر ويحتسب، فهذا أدى ما عليه.

والقسم الثالث من الناس: من يصبر ويرضى, فيرضى بقضاء الله وقدره؛ لما يعلم من ترتب الأجر والثواب العظيم، فهذا له أجر الصابرين وله أجر الراضين، فتراه يصبر ويرضى ويشكر الله على هذه المصيبة، ويعتبرها نعمة، ولا فرق عنده بين المصيبة وبين غيرها، فهي نعمة يشكر الله عليها حيث قدرها عليه؛ ليرفع درجاته، ويكفر سيئاته، ولا يقوى على هذا ولا يصل إلى هذه الدرجة إلى عباد الله الخلص الصابرون الراضون الشاكرون لله.

فنصيحتي لهذا السائل أن يصبر ويحتسب، ويتضرع إلى الله كثيراً ولا ييأس، وليكرر النشرة الشرعية من دعوات وآيات من القرآن وتعويذات شرعية، ولا ييأس، بل يصبر ويحتسب، وليكثر من دعاء الله وسؤاله الشفاء والعافية، ومن صدق مع الله فالله تعالى يصدقه, وربما كان في وقوع ذلك خير له، فقد ثبت في الحديث: (ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خلال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يعطيه من الخير مثلها، وإما يصرف عنه من الشر مثلها) أو كما جاء في الحديث، فهو على خير، سواء أجيبت دعوته، أو صرف عنه من الشر ما هو أعظم منها أو مثلها، أو أعطي من الخير ما هو أفضل، (قالوا: يا رسول الله! إذاً: نكثر؟ قال: الله أكثر) أي: الله أكثر عطاءً.

إذاً: نكثر من الدعاء، وما دام أن الإنسان دعا بخير فلم يكن في دعوته إثم ولا قطيعة رحم فقد وجدت الشروط، فهذا إما أن تجاب دعوته، وإما أن يعطى من الخير ما هو أفضل، وإما أن يصرف عنه من السوء ما هو أعظم.

فأنت -يا أخي- عليك أن تصبر وتحتسب وتكثر من التضرع والدعاء، وأنت على خير عظيم، وإياك أن تذهب إلى السحرة والمشعوذين، فإن هذا طريق مسدود ممنوع شرعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>