للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم توبة ساب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم]

السؤال

لقد سمعت منك أن من سب الله تعالى فليست له توبة في الدنيا، فأرجو أن توضح لنا ذلك، فإني قبل الاستقامة كنت مع جلساء السوء، وكنا نقول على الله سبحانه وتعالى ما لا يليق ونسبه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، والآن -والحمد لله- اتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصبحت سلفياً، ولله الحمد على الهداية إلى الطريق الصحيح، وقد عرفت أن هنالك آيات، مثل قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:٧٠]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، وأنا الآن قد تبت وندمت على تلك الكلمات، فهل توبتي صحيحة؟ وماذا أكفر به الآن عن تلك الكلمات التي كنت قلتها في حق الله تبارك وتعالى؟

الجواب

الحمد لله الذي منّ عليك بالتوبة، فهذه نعمة عظيمة، فاحمد الله واشكره، واسأل الله الثبات والاستقامة، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك التوبة النصوح، والثبات على دينه والاستقامة عليه حتى الممات، فمن تاب من أي ذنب تاب الله عليه، قال الله تعالى في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣]، قال العلماء: هذه الآية في التائبين، فمن تاب من أي ذنب تاب الله عليه، ألم تسمع إلى قول الله تعالى في عرضه التوبة على المثلثة من النصارى الذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، فعرض الله عليهم التوبة فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:٧٣ - ٧٤]، فذنبهم عظيم، فهم يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، ومع ذلك عرض الله عليهم التوبة، فنقول: إن من سب الله أو سب الرسول أو سب الإسلام له توبة، فإذا تاب توبة صادقة تاب الله عليه، فعليك بالتوبة الصادقة، والإكثار من العمل الصالح، ومن تاب وأكثر من العمل الصالح بدل الله سيئاته حسنات، كما في سورة الفرقان: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:٧٠]، فإذا تاب توبة نصوحاً محا الله بها الذنب، وإذا أتبعه بالعمل الصالح بدل الله سيئاته حسنات فضلاً من الله وإحساناً.

لكن نقول: لا تقبل توبته في أحكام الدنيا وليس في أحكام الآخرة، فإذا رفع إلى المحكمة شخص سب الله أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أنا تبت الآن، قلنا له: لا، توبتك هذه بينك وبين الله، فإذا كنت صادقاً قبلت توبتك، وأما في أحكام الدنيا فلابد من قطع رقبتك، أي أن من سب الله أو سب رسوله لا بد من قطع رقبته في الدنيا في أصح قولي العلماء، وهذا الأمر يعود إلى ولاة الأمر، فإذا ثبت عند المحكمة الشرعية أن فلاناً من الناس سب الله، أو سب الرسول، أو استهزأ بالله أو بكتابه أو بدينه، وكذلك الساحر والزنديق والملحد، فكل هؤلاء الصواب أنه لا تقبل توبتهم في أحكام الدنيا، فلا بد من إقامة الحد عليهم إذا رُفع أمرهم إلى المحكمة الشرعية؛ حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الكفر الوخيم، وأما فيما بينه وبين الله فالله تعالى يقبل توبة الصادقين، ويمحو الله ذنب التائبين، وأما في أحكام الدنيا فلا نقبل منه ذلك في أصح قولي العلماء.

والقول الثاني للعلماء: أنه يستتاب أيضاً في الدنيا، فإن تاب قبلنا توبته، وإن لم يتب قتلناه، لكن الصحيح أنه لا تقبل توبته في أحكام الدنيا؛ زجراً له ولأمثاله.

وقد ألف في هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالة سماها: (الصارم المسلول على شاتم الرسول).

وأما إذا تاب بينه وبين الله ولم يرفع إلى المحكمة فإنه تقبل توبته، وعلى هذا فإن السائل ما دام أنه قد تاب فإن الله يتوب عليه، والحمد لله، وتوبته مقبولة وصحيحة، ونسأل الله أن يمن علينا وعليه بالتوبة النصوح والعمل الصالح، والشأن كل الشأن في الصدق في التوبة، فإذا كان الإنسان صادقاً في التوبة فإن الله يَقبِل توبته من أي ذنب مهما كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>