للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على دعوى كون الكفر بالاعتقاد دون العمل]

السؤال

ظهرت شبهة متأخرة وأيدت بالأدلة، وهي أنه لا يخرج من الإسلام إلا من كفر كفراً اعتقادياً قلبياً، وأن الكفر لابد فيه من الاعتقاد، وأنه محصور في التكذيب والاستكبار، وأن الإنسان لو سجد للصنم لأجل مال فإنه لا يكفر، وكذلك إذا سب الله ورسوله فإنه لا يكفر حتى يعتقد، وأن الآية التي نزلت في حكم السب مخصوصة بالمنافقين ويقولون: إن السب علامة على الكفر لا أنه كفر، فهل هذا القول هو قول لأهل السنة؟

الجواب

هذا القول قول فاسد، فهو مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة، وقد سبق أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على قتال بني حنيفة؛ لأنهم قالوا: إن مسيلمة نبي.

وقد كانوا يؤذنون ويصلون ويصومون، وكذلك قول الله تعالى في الذين تكلموا بكلمة الكفر: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} [التوبة:٧٤]، وهي كلمة قالوها، وكذلك الذين في غزوة تبوك تكلموا بكلمة قالوها على وجه المزاح، وجاءوا يعتذرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦] فأثبت لهم الكفر بعد إيمانهم، فجاء هؤلاء يعتذرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! ما نعتقد القول به، وإنما نحن نمزح ونتحدث حديث الركب، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعذرهم، فكان لا يزيد على تلاوة هذه الآية: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦]، فلو كان الإنسان لا يكفر إلا بعقيدة القلب لما كفر الله تعالى هؤلاء.

بل أجمع أهل السنة على كفر من سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا مجمع عليه من قبل أهل السنة والجماعة، وهناك كتاب لـ شيخ الإسلام رحمه الله في هذا سماه: (الصارم المسلول على شاتم الرسول).

فهذا كلام ليس بصحيح، فالكفر يكون بالتكذيب والجحود، ويكون بالإباء والاستكبار، ويكون بالإعراض عن دين الله، ويكون بالشك، ويكون بالقول، ويكون بالفعل، ويكون بالعقيدة.

والاعتقاد لابد منه؛ لأن الإنسان إذا سجد للصنم فلابد من أن يكون في اعتقاده أنه ما سجد له إلا تعظيماً له، ولو قال: إنه يحترمه مع أنه لا يعبده، فهذا كفر، فلابد من أن يكون هناك قصد، ولا يحصل السجود للصنم من دون قصد، ولهذا فإن بعض الصوفية يسجد لشيخه، فإذا سألته قال: هذا ليس سجوداً، وإنما هو وضع الرأس أمام الشيخ احتراماً له وتواضعاً.

فمادام أنه قصد السجود للشيخ فهو كافر حتى ولو لم يعتقد، وكذلك يكفر -أيضاً- من سجد للصنم أو للنجم ووضع الرأس أمامه احتراماً وتواضعاً، فالمهم أن يكون هناك قصد، فلو داس المصحف بقدميه وقال: أنا ما قصدت شيئاً، أو: ليس عندي اعتقاد أن أستهين بالمصحف، لكن أنا أقصد أن أضعه على قدمي؛ فهذا يكفر ولو لم يعتقد، لأن هذا العمل يكفر صاحبه، فلو قال: أنا أعتقد أن القرآن كلام الله، ولا أعتقد أنه ليس من كلام الله، ثم بال على المصحف فإنه يكفر بهذا الأمر مادام قد قصده، بخلاف لو كان خلفه مصحف ثم رجع القهقرى وهو لا يدرك ثم وطئ المصحف وهو لا يدري، فهذا لا يكفر؛ لأن هذا ليس له قصد.

فالمقصود أنه إذا قصد الفعل فلا يشترط الاعتقاد، وكلام هؤلاء كلام فاسد، وهذا الذي ظهر من هؤلاء لا عبرة به، وليسوا أهلاً لأن يؤخذ بقولهم، وإنما يؤخذ بما دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبما أجمع عليه وأقره أهل العلم المعروفون بالرسوخ في العلم قبل مجيء هؤلاء الذين لا علم عندهم ولا بصيرة، فلا يؤخذ بأقوال هؤلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>