للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان موضوع علم العقيدة وأقسام العلم النافع]

وموضوع هذه العقيدة هو علم أصول الدين، وهو أشرف العلوم؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وهو هنا العلم بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته وأفعاله، واستحقاقه للعبادة، فهذه المعرفة هي أعظم المعارف، وأساس الهداية، وأساس الدين، وأساس الملة، وهي أفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب، وأدركته النفوس، وحصلته العقول، وهذا هو المسمى بالفقه الأكبر، والفقه الأصغر هو علم الفروع، ولهذا سمى الإمام أبو حنيفة رحمه الله ما جمعه في أوراق وكتبه في أصول الدين: الفقه الأكبر.

إذاً: أصل الدين وأصل الملة معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله وإلهيته، ثم يتبع هذه المعرفة أصلان عظيمان: الأصل الأول: معرفة الطريق الموصلة إلى الله المعبود، وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه.

والأصل الثاني: معرفة ما للسالكين إليه، ومعرفة حالهم بعد الوصول إلى الله من النعيم المقيم إن استقاموا على دينه وامتثلوا أمره ونهيه، وما لهم من الإهانة والعذاب السرمدي إن سلكوا طريق الغواية، وانحرفوا عن دينه، فهذه هي أقسام العلم النافع.

فأقسام العلم النافع الذي بعث الله به رسوله ثلاثة لا رابع لها: القسم الأول: معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، هذا هو أصل الدين، وأساس الملة، وهذا وعلم أصول الدين يسمى الفقه الأكبر، وعلى هذه المعرفة تدور مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها؛ لأنه سبحانه المعبود، فلابد أن تعرف معبودك، فتعرفه بأسمائه وصفاته وأفعاله حتى تعبده على بصيرة، وهذا يسمى علم أصول الدين، وهو أشرف العلوم، وهذا هو القسم الأول، وهو الأصل الأصيل.

القسم الثاني: العلم بشرائع دينه وأحكامه سبحانه من الأمر والنهي والحلال والحرام، وهذا هو الفقه الأصغر.

والقسم الثالث: العلم بشئون المعاد من البعث والجزاء والحساب والميزان والصراط والجنة والنار، ومصير الإنسان ومستقره في الدار الآخرة، فإما إلى جنة وإما إلى نار.

هذه هي أقسام العلم النافع، وأصلها وأساسها علم أصول الدين، وهو معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم معرفة الأحكام الشرعية التي شرعها الله في كتابه وعلى لسان رسوله من الأوامر والنواهي، ثم معرفة شئون المعاد، وما يحصل للإنسان بعد الموت من الحساب والجنة والنار، وقبل ذلك ما يحصل للإنسان في القبر من سؤال منكر ونكير، ومن النعيم أو العذاب، وهذه الأنواع الثلاثة كلها مبينة في القرآن والسنة وموضحة في أتم وأوضح بيان، ولهذا يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الشافية، وهي القصيدة النونية: والعلم أقسام ثلاثة ما لها من رابع والحق ذو تبيان علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الأسماء للرحمن والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاؤه يوم المعاد الثاني والكل في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالقرآن فهذه أقسام العلم النافع، فقوله: علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الأسماء للرحمن يتناول علم أصول الدين، وهو العلم بالله وصفاته وأفعاله وأسمائه.

وقوله: والأمر والنهي الذي هو دينه.

يتناول القسم الثاني، وهو دين الله، أي: معرفة الأوامر والنواهي، وشرائع الدين التي شرعها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

والقسم الثالث: الجزاء وشئون المعاد، وحال السالكين إلى الله، وحال الناس بعد الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>