للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب الكرامية]

المذهب الرابع: مذهب الكرامية: والكرامية هم أتباع محمد بن كرام السجستاني، وهم يقولون: إن الكلام ألفاظ ومعانٍ وحروف وأصوات قائمة بذات الرب، والكلام يتعلق بقدرته ومشيئته سبحانه وتعالى، فهو يتكلم متى شاء إذا شاء كيف يشاء، وكلام الله نوعان: بواسطة وبغير واسطة، لكن كلام الرب حادث في ذاته كائن بعد أن لم يكن، بمعن: أن الرب كان معطلاً عن الكلام، بل كان الكلام ممتنعاً عليه ولا يستطيع الكلام في الأزل، ثم انقلب فجأة فصار ممكناً، قالوا: إن هناك فترة كان الرب لا يستطيع فيها أن يتكلم، بل إن الكلام ممتنع، أي: يستحيل على الله، ففي الأول كان الكلام ممتنعاً ثم انقلب فجأة فصار ممكناً.

وشبهتهم في ذلك أنهم قالوا: لو قلنا: إن الكلام قديم النوع، وإن الرب لم يزل متكلماً للزم من ذلك التسلسل في الحوادث، فتكون الحوادث والمخلوقات متسلسلة في الأزل، وإذا تسلسلت انسد علينا طريق إثبات الصانع، فلا نستطيع أن نثبت وجود الله وأنه هو الأول، ففراراً من ذلك قالوا: هناك فترة لا يتكلم فيها الرب، فليس فيها كلام ولا حرف ولا فعل حتى يكون هو الأول، ثم بعد ذلك تكلم الرب وتسلسلت الحوادث، فلو قلنا: إن الرب لم يزل متكلماً للزم من ذلك تسلسل الحوادث والمخلوقات، وإذا تسلسلت الحوادث والمخلوقات انسد علينا طريق إثبات الصانع، فلا نستطيع أن نثبت أن الله هو الأول.

وهذا مذهب باطل، والقول بأن الكلام ألفاظ ومعانٍ وحروف بأصوات متعلق بقدرته تعالى ومشيئة هذا حق، لكن قولهم: إن الكلام كان ممتنعاً عن الرب هذا باطل؛ لأن الكلام صفة كمال، فكيف يخلو الرب من الكمال في وقت من الأوقات؟! ولأن الرب إذا كان حاله قبل وبعد سواء ولم تتجدد له صفة الكلام من غيره فلماذا كان الكلام ممتنعاً ثم صار ممكناً؟! وما السبب في امتناعه ثم في إمكانه؟! وما تحديد الفترة التي كان فيها ممتنعاً؟! لا تستطيعون أن تحددوا فترة، وكل ما يتصوره الإنسان من الأزمنة فالإنسان سابق لذلك، وهذا كلام باطل.

أما شبهة قولهم: إنه يلزم تسلسل الحوادث، فنقول: الرب فعال وخلاق، قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧] وقال: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ} [الحجر:٨٦] يعني أن الرب لم يزل خلاقاً وفعالاً، والخلق والفعل صفة كمال، فلا يعطل الرب من هذا الكمال في وقت من الأوقات.

وأما إثبات الفترة وأن هناك فترة فلا دليل عليه، فإنهم يثبتون فترة كان الرب سبحانه معطلاً فيها من الكلام والخلق، وهذا لا دليل عليه، ونحن نقول: إن كل مخلوق من المخلوقات، وكل فرد من أفرادها مسبوق بالعدم، وليس له من نفسه وجود ولا عدم، بل الله أوجده بعد أن كان عدماً، ولا يلزم من ذلك أن هناك فترة، بل كل فرد من أفراد المخلوقات مسبوق بالعدم، والله تعالى أوجده بعد أن كان معدوماً، ويكفي هذا، أما أن نثبت فترة يعطل فيها الرب فهذا لا دليل عليه، وهو باطل.

فهؤلاء الكرامية وجه الغلط عندهم هو كونهم أثبتوا فترة عطلوا فيها الرب عن الكلام، ولو لم يقولوا بالفترة هذه لصار مذهبهم موافقاً لمذهب أهل السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>