للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام التوحيد]

والتوحيد -كما سبق- قسمه العلماء إلى تلك الأقسام أخذاً من النصوص، حيث تتبعوا النصوص فوجدوا أن التوحيد ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة: الأول: توحيد الربوبية: وهو أن توحد الله بأفعاله سبحانه وتعالى، وأفعال الله: الخلق والرزق والإماتة والإحياء ونحو ذلك، فتوحد الله بها، وتعتقد أنه هو الخالق وهو الرازق وهو المدبر وهو المحيي وهو المميت وهو الرب.

الثاني: توحيد الله بأسمائه وصفاته، والمعنى: أنك تثبت أسماء الله وصفاته له، وتعتقد أن الله سمى نفسه بهذه الأسماء ووصف نفسه بهذه الصفات، وأنها حق وأن أسماءه حسنى وصفاته عليا.

والثالث: توحيد الألوهية والعبادة، وهو توحيد الله بأفعالك -أيها العبد- من الصلاة والصيام والزكاة والحج، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والدعاء، والذبح، والنذر، والاستعاذة، والاستغاثة، والخوف والرجاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، والإحسان إلى الناس، وكف الأذى، وترك المحرمات طاعة لله وخوفاً وخشية وتعظيماً له، وغير ذلك، فهذا هو توحيد العبادة، أن توحد الله فتفعل الأوامر، وتترك النواهي طاعة لله وخوفاً ورجاء وتعظيماً له عز وجل.

وهذه الأنواع الثلاثة -وهي أنواع التوحيد- متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض، ولا يتم الإيمان ولا يصح إلا بالإيمان بهذه الأنواع الثلاثة كلها، وهي متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض، فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية.

ومعنى (يستلزم): يدل عليه ويوجبه ويقتضيه، فإذا وحد الإنسان ربه بأفعاله، واعتقد أنه هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت وجب عليه أن يعبده، كأن تعتقد -مثلاً- أنه هو الخالق، وهو الرازق، وهو المحيي، وهو المميت، وهو الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وهو الذي خلقك وأوجدك من العدم، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، فبذلك وجب عليك أن تعبده ولزمك أن تخصه بالعبادة، وأن تقدم محبته على محبة كل شيء، على محبة نفسك وأولادك وأهلك، ولكن ليس كل واحد يلتزم بما لزمه، فكل من أقر بتوحيد الربوبية واعترف بتوحيد الربوبية لزمه أن يوحد الله في عبادته وألوهيته.

وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، بمعنى أن من وحد الله وعبد الله ففي ضمن ذلك اعترافه بأنه هو الرب الخالق الرازق المدبر، ولولا اعتقاد أنه هو الخالق الرازق المدبر المحيي والمميت لما عبده وخصه بالعبادة، فلما عبده وخصه بالعبادة دل ذلك على أنه يعتقد أنه هو الرب الخالق الرازق المدبر الذي يملك النفع والضر.

وكذلك توحيد الأسماء والصفات مستلزم لتوحيد الألوهية، وهذه هي الدلالات الثلاث المعروفة عند أهل العلم بدلالة الالتزام، ودلالة التضمن، ودلالة المطابقة.

فدلالة الالتزام: دلالة الشيء على خارج معناه، كدلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ودلالة الوالد على الولد، ودلالة التوبة على السعي.

أما دلالة التضمن فهي دلالة الشيء على جزء معناه، لا على جميع معناه، فتوحيد الربوبية جزء من توحيد الإلوهية.

ودلالة توحيد الألوهية على الألوهية تسمى دلالة مطابقة؛ لأن دلالة المطابقة دلالة الشيء على جميع معناه، فتوحيد الألوهية يدل على الألوهية بالمطابقة؛ لأنه دل على جميع معناه، ويدل على الربوبية بالتضمن، وقد سبق ذكر الطوائف التي أنكرت الربوبية وأنكرت الرب العظيم وأخلت بهذا النوع العظيم من أنواع التوحيد مع أنه أمر فطري فطر الله عليه جميع الخلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>