للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اختلاف العلماء في رؤية أهل الموقف لربهم عز وجل]

اختلف العلماء في رؤية أهل الموقف لربهم، فمن العلماء من قال: يراه أهل الموقف جميعاً مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار، ومنهم من قال: يراه المؤمنون والمنافقون فقط، وهذا له أدلة، كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة يقول الله: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد) فتتبع اليهود غزيراً، وتتبع النصارى معبودها، فيتساقطون في النار، ويساقون إلى النار، وتبقى هذه الأمة وفيها منافقوها، فيتجلى الله لهم سبحانه وتعالى، فيسجد له المؤمنون، ويذهب المنافقون ليسجدوا، فيجعل الله ظهر كل واحد منهم طبقة لا يستطيع بسببها السجود، قال الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:٤٢] فهذه علامة جعلها الله للمؤمنين، وهي الكشف عن ساقه، فهي علامة بينه وبينهم، فإذا رأوه سجدوا، والمنافقون كانوا مع المسلمين في الدنيا يظهرون الإسلام، فظنوا أن هذه الكونية تنفعهم، ولذلك يسير المؤمنون والمنافقون جميعاً ومعهم النور، ثم ينطفئ نور المنافقين، فيقول المنافقون وهم في الظلمة للمؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣] أي: قفوا حتى نقتبس، ولا يزال بهم خداعهم -والعياذ بالله- حتى في موقف القيامة، فقالوا: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} ثم يقولون لهم: ألم نكن معكم في الدنيا نصلي ونصوم؟! {قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:١٤ - ١٥]، فإذا انقطع المنافقون قالوا للمؤمنين: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:١٣] فلما انفصلوا وبقوا في الظلمة صاروا ينادون المؤمنين: ((انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)) [الحديد:١٣] أي: أعطونا شيئاً من النور.

ولا فائدة في ذلك، فقد ذهب البهرج والباطل، وظهر الحق، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الثبات على دينه ولزوم الصراط المستقيم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا؛ إنه على كل شيء قدير.

<<  <  ج: ص:  >  >>