للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين علامات الساعة الكبرى والصغرى]

الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذه الحلقة السادسة في سلسلة الحديث عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، وهذه الحلقة خاصة بعلامات الساعة، وكل حلقة من حلقات الدار الآخرة تمثل مرحلة هامة من مراحل الموت وما بعده.

ندعو الله في بداية هذه الحلقة أن يجعل برحمته جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل ربنا برحمته بيننا شقياً ولا محروماً.

اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسَّرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، واجعل هذه الدروس في ميزان حسناتنا جميعاً يوم القيامة، اللهم ثقل بها موازيننا، واجعلها حجة لنا لا حجة علينا، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصل اللهم وسلم وبارك على البشير النذير سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

تكلمنا في الحلقتين السابقتين عن الأسباب الموجبة لعذاب القبر، وعن الأسباب المنجية من عذاب القبر، ورأينا أن الحلقة التي كانت خاصة بأسباب وموجبات عذاب القبر، كان الكلام فيها صعباً على النفوس، ولكن عندما جاءت منجيات عذاب القبر خففت منها شيئاً، ولكن القضية ليست قضية علمية بحتة، وإنما نحن في هذا المسجد نبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغه عن ربه سبحانه وتعالى.

وقلنا: إن الكلام في مسألة الدار الآخرة لا اجتهاد فيه، وإنما أخذناه من فم الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فكل مسائل الدار الآخرة مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة، ولا إفتاء فيها أبداً.

علامات الساعة كثيرة، وحلقة طويلة جداً، ونحن مربوطون بوقت محدد، فلكيلا يطول الحديث ندخل فوراً في حلقة اليوم إن شاء الله، فاللهم! يسر لنا يا معين.

علامات الساعة تنقسم إلى قسمين: علامات صغرى، وعلامات كبرى.

وهناك فرق بين علامات الساعة الصغرى، وعلامات الساعة الكبرى.

الفرق الأساسي الجوهري: هو أن علامات الساعة الصغرى إذا ظهرت كلها فباب التوبة لا يزال مفتوحاً أمام المسلم.

أما علامات الساعة الكبرى إذا ظهرت منها أول علامة أغلق باب التوبة، نعوذ بالله من ذلك، اللهم تب علينا يا رب قبل أن تظهر علامات الساعة الكبرى.

إذاً: الفرق الجوهري الأساسي: أن علامات الساعة الصغرى إذا ظهرت فما زالت هناك فسحة أن يعود المذنب ويتوب العاصي والمنحرف، وأن يسترشد الضال، لكن إذا ظهرت أول علامة من علامات الساعة الكبرى فقد أغلق باب القبول، وأغلق باب التوبة، {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:١٥٨].

علامات الساعة الكبرى تسع علامات نؤجلها الآن، ونتكلم عن علامات الساعة الصغرى، جمعتها لكم بفضل الله عز وجل من الكتب والأحاديث الصحيحة، مما يقرب من (٦٤٢) كتاباً، وجمعت فيها بفضل الله عز وجل ما لا يقل عن (١٢٤٢) حديثاً، لكن أخذنا عينات؛ حتى لا يطول بنا الشرح.

وجمعت لكم من علامات الساعة الصغرى (٩٥) علامة، وأنا في حالة من الرعب كلما أعدت عليكم حلقات الدار الآخرة، وهذه ثالث مرة، فقد شرحتها لكم أول مرة في سنة (١٩٧٤م)، وفي المرة الثانية في سنة (١٩٨٧م)، وهذه المرة الثالثة، وأنا كلما أعدتها حدث لي رعب؛ لأن الخمسة والتسعين علامة رأيت أنها كلها قد ظهرت، نسأل الله السلامة، لم يبق إلا أن نصبح في الصباح وقد ظهرت بعض علامات الساعة الكبرى.

وقد يحزنني من تفوته دروس الدار الآخرة؛ لأن العبد إذا مات قامت قيامته الصغرى، فأنت لو مت لا تحتاج علامات ساعة لا صغرى ولا كبرى؛ لأنك إذا مت انفصلت عن الحياة ودخلت في مرحلة أخرى من مراحل العمر ألا وهي حياة البرزخ، وعالم البرزخ عالم لا يعلمه إلا الله، فيدخل الإنسان أول منازل الآخرة بعد موته.

هذه علامات الساعة الصغرى كما جاءت في أحاديث الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كل الكلام الذي سوف أشرحه لحضراتكم من نصوص أحاديث صحيحة نقحتها على مدى سنوات ثلاث، قبل أن أبدأ في حلقات دار الآخرة عكفت على علم الحديث الذي درسته وأدرسه، ونقحت هذه الأحاديث جميعاً بحيث لا تجدون أبداً حديثاً ضعيفاً فيها؛ لأن أمانة العلم تقتضي هذا المشهود.

يقول الله عز وجل في سورة الأنبياء: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء:١]، هذا الاقتراب يدل على القرب.

وقال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:١٨] يعني: هم منتظرون أن تأتيهم الساعة.

ويقول ربنا عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١]، هذه الآية فيها تقديم وتأخير، والتقدير: انشق القمر واقتربت الساعة؛ لأن انشقاق القمر كان قبل قيام الساعة وسبب انشقاق القمر أن المشركين ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد! لو شققت لنا القمر لآمنا بك، قال: يا رب! شق لهم القمر، فكان نصف القمر على جبل أبي قبيس والنصف الآخر على الجبل المقابل له، فقيل له: هل آمنتم؟ قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر:٢٤] أي: سحرنا محمد؛ لأنه ساحر، ماذا تقول لقلوب قد أوصدت وأغلقت، اللهم! فهمنا وعلمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، وتب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، ووفقنا لما تحبه وترضاه.

وعلامات الساعة الصغرى (٩٥) علامة، لكن بعض العلماء قد يقول لك: هي عشرون، وآخر يقول: هي ثلاثون، لكني جمعتها لك من أحاديث كثيرة.