للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سؤال الجنة والاستعاذة من النار]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد: فقد تحدثنا في الحلقة السابقة وهي الحلقة السابعة عن علامات الساعة الصغرى، وتواعدنا أن تكون الحلقة الثامنة وهي حلقة اليوم إن شاء الله في علامات الساعة الكبرى، وأريد أن أكرر ما أقوله دائماً: إن الحديث عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده أو عالم الغيب بعد أن تفيض روح الإنسان إلى بارئها وينزعها الملك الموكل بقبض الأرواح فإن كانت صالحة فهي في روضة من روضات الجنة إلى أن تقوم الساعة، وإن كانت غير ذلك فهي في حفرة من حفر النار إلى أن تقوم الساعة، والعياذ بالله رب العالمين.

نسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، وأن يدخلنا وإياكم جنته بدون سابقة عذاب، ولقد قال لنا الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي: (إن المسلم إذا انفتل من صلاته) وفي رواية ثانية: (إن المؤمن إذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله عز وجل الجنة قالت الجنة: يا ويح هذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله أن يدخله عندي.

وإذا انفتل المؤمن من صلاته ولم يستعذ بالله من النار، قالت النار: يا ويح هذا امتثل من صلاته ولم يستعذ بالله مني ومن حري، وسعيري، وأغلالي، وسلاسلي.

وإذا انفتل العبد من صلاته ولم يسأل الله عز وجل أن يزوجه من الحور العين، قالت الحور العين: يا ويح هذا انفتل من صلاته ولم يسأل الله عز وجل أن يزوجه منا).

فهذا الحديث يدل على فضل الدعاء، والدعاء مخ العبادة، فالمؤمن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، عسى أن تكون ساعة الدعاء من ساعات الإجابة؛ فأهل الجنة سيقعدون مع بعض ويتذاكرون الدنيا وما عملوا فيها.

إن العبد سيكتشف أن كتاب أعماله فيه الضلال والهداية، والانحراف والاستقامة، ما بين ما اسود من صفحات وما ابيضت اللهم اجعل صفائح كتبنا بيضاء يا رب العالمين! رئي الإمام مالك في المنام بعد موته، والرؤيا لا تحقق قاعدة شرعية، ولكن رؤى الصالحين كلها خير، وكان الذي رآه هو تلميذه الليث بن سعد إمام أهل مصر، ولولا أنه لم يكن له تلاميذ لوصلت شهرته إلى ما وصل إليه مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وبسبب أنه ليس عنده تلاميذ فقد انطمر ذكر الليث بن سعد إلا للمتخصصين الذين يبحثون عن تاريخ الصالحين، اللهم الحقنا بهم يا رب العالمين.

فـ الليث رأى أستاذه مالكا في المنام ففرح به فقال له: ماذا صنع الله بك يا مالك؟ فقال: لقد غفر الله لي، وذلك أني كلما رأيت جنازة كنت أقول: سبحان الحي الذي لا يموت.

وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله له بها درجات)، فرب كلمة واحدة يقولها صاحبها فيدخل الجنة بها.

والعكس أن الكلمة من سخط الله قد تضيع الدنيا والآخرة.

وقال سيدنا داود عليه السلام: يا رب! أكرمتني، وأنعمت علي، وألنت لي الحديد وجعلت الجبال تؤوب معي وتسبح، والأنهار والمياه تقف عن الجريان عند سماع صوتي وأنا أقرأ الزبور، يا رب! أنا أريد أن أشكرك.

قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣]، وسأل سيدنا داود ربه ومولاه فقال: يا رب! كيف أشكرك على نعمك الكثيرة؟ قال: يا داود! احمدني بأي كلمات شئت.

فقال: لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

فقالت الملائكة: يا رب عبدك داود قال كلمة لم نجد عندنا حسنات نكافئه عليها ونضع له في الكتاب، فقال: يا ملائكتي! اكتبوها كما هي وأنا الذي سوف أجازيه عليها يوم القيامة.

وسيدنا ركانة كان مصارع العرب، فأتى المدينة ليزور قريباً له.

فدخل المسجد النبوي وصاح فيه بأعلى صوته أنه يريد أن ينتقم من النبي عليه الصلاة والسلام ويأخذ حقه منه بيده، فانزعج الصحابة انزعاجاً شديداً وقاموا إليه قومة رجل واحد، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فلاطفه بالقول، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].

ودخل رجل على الحجاج فقال له: يا حجاج! لقد أوتيت ما لم يؤته رسول الله.

فقال الحجاج: وما هو؟ قال: قال الله لرسوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩]، وأنت يا حجاج! فظ غليظ القلب وما انفضضنا من حولك إلا لأنننا خائفون من بطشك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لـ ركانة أنت ركانة؟ قال له: نعم أنا ركانة، قال: أتصارعني يا ركانة؟ قال له: يا محمد! لا تحرج نفسك أمام أصحابك قال له: لو صرعتك أتسلم؟ قال: نعم، فتصارعا فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى والثانية والثالثة فقال ركانة: لابد وأن الذي يغلبني بقدرة غير بشرية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

فأحب الرسول والإسلام والصحابة والمدينة، ثم أتى بعياله وامرأته وعاش في المدينة.

(وكان ركانة واقفاً مع بعض الأنصار، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه ووضع يديه على عيني ركانة ثم قال مازحاً: من يشتري هذا العبد مني؟ فقال ركانة: إذاً تجدني كاسداً يا رسول الله! فقال رسول الله: ولكنك عند الله لست بكاسد).

وكان صلى الله عليه وسلم دائم التبسم لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله.

فـ ركانة يريد أن يأخذ تصريحاً من فم الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه ليس كاسداً عند الله في الدنيا والآخرة وإنما هو عند الله غال، فالمهم أن الإنسان يثبت على كلمة التوحيد، وعلى كلمة الحق والصدق واليقين نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الصدق في القول والعمل والفعل إن ربنا على ما يشاء قدير.

وعلامات الساعة الصغرى قد ظهرت ورأيناها كلها رأي العين، فقد ثبت صدق أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ظهور علامات الساعة الصغرى.

وإذا كان الصحابة قد أيقنوا بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام في علامات الساعة وإن لم تظهر في زمانهم، فإننا قد رأينا هذه العلامات على مر الزمن التي تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله لنا، وهذا نذير لأن يتوب العبد إلى ربه، وأن يستيقظ من غفلته.

وسيدنا الإمام الشافعي صلى بالمسلمين صلاة الصبح فلما انتهى من الصلاة اقترب منه رجل فقال له: كيف حالك يا إمام؟! فقال له: كيف حال رجل وكتاب الله شاهد عليه، وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم تأمره بالمتابعة، والشيطان يحثه على الشهوات، والعيال يشغلونه بالقوت، والنفس تمنيه وتشجعه على طول الأمل؟ فمن حقق هذه الأمور أيقن أن الله عز وجل سوف يأخذه على حين غرة، ولذلك لما مات الشافعي رحمه الله رآه تلميذه الوراق في الرؤيا فقال له: كيف حالك يا إمام؟! فبكى الشافعي وقال: حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا هكذا تصنع الملوك بالمماليك يرفقوا إن قلبي يقول لي ولساني يصدق كل من مات مؤمناً ليس بالنار يحرق وعلامات الساعة الصغرى تربو على المائة وقد ظهرت كلها ولم يبق إلا علامات الساعة الكبرى.

وعلامات الساعة الكبرى قد يعجب العبد منها؛ لأنها لقلة إيماننا وضعف يقيننا نظن أنها أمر شبه مستحيل، لكن الصحابة فقد أيقنوا أن ما يخرج من فم الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صدق كله وحق، فما علينا إلا أن نصدق بما جاء في الكتاب وفي السنة على لسان الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم.