للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية وبعض أحكامها]

والآن نتحدث عن الوصية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبيتن أحدكم إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) يعني: ليس هناك أحد مسلم يؤمن بالله ولم يكتب وصيته إلى الآن، وأنا واثق بفضل الله أن كل المريدين عندي قد جهزوا وصاياهم منذ سنوات طويلة، لكن هناك أناس كتبوا وصاياهم وقاموا بتخبئتها، وهذا خطأ، أنا أريدك تكتب الوصية وتعرف المقربين مكانها، فقوله: (إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) يعني: تبقى معروفة ومحطوطة ومكتوبة وجاهزة.

واكتب ما يأتي في هذه الوصية: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان ابن فلان، وتكتب اسمك، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة حق، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصي من قرأ هذه الوصية بأن يتقي الله عز وجل ولا تغره الحياة الدنيا، ولا يغره بالله الغرور.

أوصي أني إذا مت فليفعل ورثتي ما يأتي: تغمض عينيّ أول ما تخرج الروح، ويشد لحية الميت -أي: دقنه- بمنديل أو بفوطة أو بحبل، نشدها ونربط من فوق؛ لاحتمال أن يبقى فكاه مفتوحان فيبقى فمه مفتوحاً، فنضم الأسنان أو الفكين على بعض ونربط من تحت الدقن.

ثم نغطيه بشيء غير الغطاء الذي كان متغطي به، ولكن قبل ذلك نخلع الملابس التي مات فيها، ونحن الآن للأسف لا نعرف ما هو الموت، ولا دارسين الموت، ولا نحضر دروس العلم ولا عارفين ما هي القواعد، فتجد بعضهم يتركون الميت قافلين عليه الباب وخارجين، فبعضهم يذهب إلى الصوان والذي يمسح التربة، وبعضهم يذهب يكتب النعي في الجريدة، وهذه كلها الميت ليس له دعوة بها، فنريد أن نهتم بالميت؛ لأنه أمانة إلى أن نعيده إلى صاحبه.

إذاً فالمسلم أول ما يموت فالذين حوله يغمضون عينيه، ويربطون لحييه، ثم نخلع ملابسه ونغطيه.

فتكتب: لا يدخل علي بعد موتي حائض، ولا يقبلني بعد موتي من لا يحل له تقبيلي في حياتي، يعني مثل: بنت عمتي وبنت خالتي، فلا يجوز لهما تقبيلي وأنا حي، فمن باب أولى عدم جواز ذلك وأنا ميت، حتى إن بعض أهل العلم قال -وهذا رأي الإمام أبي حنيفة وأنا أميل إليه- حتى إن امرأته لا تدخل عليه؛ لأن عقد الزوجية قد انتهى بالموت، وهذه مسألة تخاطب الفطرة.

وهناك أثر للسيدة عائشة تقول فيه: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل الرسول إلا أزواجه.

لكن رأي أبي حنيفة أقوى؛ لأنه استدل بدليل أقوى من دليل السيدة عائشة، فإن عقد الزوجية قد انتهى، فالزوج قد مات إذاً فهي ليس لها زوج، فلا يصح أن تدخل عنده، فبالتالي لا تقبله ولا تغسله ولا تحضر غسله.

إذاً فلا يدخل علي حائض ولا جنب، ولا أسمع رنة في البيت، والرنة هي الصويت أو العويل، وأنا بريء من ذلك.

فعلى المسلم منا أن يكون مستعداً للقاء الله، إذاً فلا تدخل علي حائض ولا جنب، ولا يقبلني بعد موتي من كان يحرم عليه تقبيلي في حياتي، وأنا بريء من الآتي: بريء من التي تصوت، وبريء من ذبح شيء أمام النعش، فلا عقر في الإسلام، فالذين يذبحون أمام الجنازة وهي طالعة هذا حرام، وهذا الأمر كان في الجاهلية.

ثم بعد ذلك من جلس عندي يجب أن يذكر الله، وأن يدعو بخير؛ فإن الملائكة تؤمن على الدعاء أو على البكاء، يعني: أن القاعدين عند الميت يقولون: اللهم ارحمه، والملائكة تؤمن آمين، اللهم اغفر له، آمين، اللهم ثبته عند السؤال آمين، اللهم اجعل كتابه في يمينه، آمين، واخلفه في عقبه في الغابرين، آمين، ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واغفر اللهم لنا وله، والملائكة تقول: تؤمن.

فإن كان الميت صالحاً فإن ملك ينزع الروح فتخرج من الرجلين الركبتين، ثم إلى الصدر، ثم الحلق، {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة:٢٦ - ٢٧]، فالذي يرقى بهذه الروح هم ملائكة الرحمة إن كان من أهل النعيم، وملائكة العذاب إن كان من أهل الجحيم.

اللهم اجعلنا من الذين تقبض أرواحهم ملائكة الرحمة يا رب العالمين.

ومعهم حنوط وأكفان من الجنة، فيبتدئون بالروح وتطلع سهلة ميسورة مثل قطرة الماء عندما تنزل من في السقا، ففي الحديث: (كالقطرة من الماء تنزل من فم القربة).

وأما غير الصالح والعياذ بالله فإن روحه تكون متشعبة في جميع أجزاء جسمه، فعندما تنزع فإنها تنزع مع العروق وأجزاء الجسم، ونحن حول الميت لا ندري شيئاً، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:٨٥].

إذاً فالمسلم الموجود عند الميت لا يقول إلا خيراً.

ثم على أهلي إذا ذهبوا لمواراة جثتي التراب أن يوجهوني إلى القبلة، وأن يغسلني فلان وفلان ويحدد، أي: لو كانوا موجودين أو على قيد الحياة أو قريبين في البلد، ولا يكثر الحاضرون على الغسل إلا من كانت له ضرورة، فلا يدخل كل أحد؛ لأن للميت عورات.

ومن غسلني إذا جاء عند عورتي فليلبس خرقة لكي لا يلمس عورتي.

ثم إذا دفنتموني فلينزل معي في القبر فلان أو فلان وتحدد، فليس كل واحد ينزل، ولتوجهوني إلى القبلة، ولتضعوني على جنبي الأيمن، ولتحثوا على جسدي التراب ثلاثاً، ولتقولوا في أولاها: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:٥٥]، ثم بعد ذلك يقول: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو الله لي الحاضرون بالاستغفار وبالتثبيت عند السؤال.

ثم لتمكثوا عند قبري ساعة، أي: قدر ذبح الجزور وتوزيع لحمها، أي: تقعدوا تستغفروا لي، حتى أستأنس بكم، وحتى أستطيع أن أراجع ملائكة ربي.

ثم مالي يقسم كما أمر الله عز وجل التقسيم الشرعي، وأوصيت من مالي -في حدود الثلث- كذا للجهة الفلانية أو لفلان، ولا يكون هذا لوارث؛ فلا وصية لوارث، فالذي يرث لا يأخذ من الوصية.

وأوصيت بكتبي -إذا عنده مكتبة علمية- للجهة الفلانية؛ من أجل تبقى صدقة جارية، وأوصي من خلفي بتقوى الله عز وجل، وألا تغرهم الحياة الدنيا، وأن يكثروا الترحم علي، وأدعو الله لهم بالتثبيت وبالتوفيق وبالهداية، {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة:١٨١]، ثم تمضي عليها، وتشهد إخوانك الصالحين أو من أهل العلم والتقوى.

وهكذا تكون قد أرحت الذين وراءك، وعرّفت الذين وراءك القوانين، وإذا عملوا شيئاً غلطاً فإنه في ذمة الذي عمل ذلك، وأنت بريء يوم القيامة من كل سوء إن شاء الله، اللهم برئنا من الذنوب والخطايا والعيوب يا أكرم الأكرمين.