للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر ما يحصل لأئمة الخير ولأئمة الشر يوم الحساب]

هناك أئمة للخير وأئمة للشر، والله يوم القيامة جل في علاه ينادي إمام الخير، أي: ينادي من يقود الناس إلى الخير على رءوس الأشهاد، فيمتلئ خوفاً حين يطلع على سيئاته، يقول الله عز وجل: (عبدي! هذه سيئاتك وقد محوناها وغفرناها لك)، فيطمئن لأنها مسحت، فيطلع على حسناته فيجدها قليلة، فيقول الله عز وجل: (وهذه حسناتك قد ضاعفناها لك وقبلناها منك) فيزداد فرحاً ويرجع بوجه قد أشرق نوراً، فيقول لمن كان معه من قبل: السلام عليكم، ألا تعرفونني؟ فيقولون: نعم، أنت رجل قد أشرقت فيك كرامة الله عز وجل، لكن من أنت؟ فيقول: أنا فلان بن فلان، وقد أخبرني الله عز وجل أن أبشر كل واحد منكم بما بشرني أن زحزحني وإياكم عن النار وسوف يدخلني وإياكم الجنة، وهذا تفسير قول الله عز وجل: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:٧٤]، {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:٧٥].

أما إمام الشر فلا يلقى إلا سيئاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن استن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً) فهذا أدخل الفجور إلى مصر، وهذا أدخل ما يسمى بالرقص الشرقي إلى مصر، وهذا أدخل المسرح والتمثيليات الهدامة إلى مصر، ولا أقول هذا تعصباً لمصر؛ وإنما هي شريحة من شرائح الدول الإسلامية أو التي تدعي الإسلام.

فمن أدخل هذا الشر في بلاد المسلمين فإنه يكتسب ذنباً بذنب من أساء على مر الزمن إلى أن تقوم الساعة وهذا كأي قتيل على وجه الأرض، إذ تجمع ذنوب هؤلاء القتلة وتوضع في ميزان من اخترع القتل في الأرض.

إن طلابنا في المدارس يدرسون أن عمرو بن العاص كان مكاراً، وهذا سوء أدب مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن عمرو بن العاص هو الذي أدخل الإسلام إلى مصر، فكل مصلٍّ يصلي في مساجد مصر يأخذ ثواباً ولـ عمرو بن العاص أجر كأجر كل مصلٍّ في مصر لا ينقص من أجور المصلين شيئاً، كذلك ثواب الصيام لكل صائم في مصر تكون صحيفة حسنات عمرو بن العاص مثله، وهكذا في الزكاة إلى أن تقوم الساعة.

أما إمام الشر فيقال له: تعال يا عبد الله! فينظر في كتابه فيلقى حسنات قليلة ويفرح فيقول: هذه حسناتي، لكن الأعمال بخواتيمها، فيقال له: هذه حسناتك وقد رددناها عليك ولم نقبلها منك، وهذه سيئاتك وقد ضاعفناها عليك والعياذ بالله، فيسود وجهه ويرجع إلى الفرقة التابعة له فرقة الطاولة والشطرنج والبريدج والمريدج وغير ذلك، يرجع إليهم ووجهه عليه غبرة، فيقول: هل تعرفونني؟ فيقولون: لا نعرفك، فيقول: أنا فلان بن فلان وقد أمرني ربي أن أبلغكم بأني وأنتم في نار جهنم.

إذاً: حاذر أن تكون رأساً في الشر.

يذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه طلب من كل واحد من الصحابة أن يقول أمنية، فقال أحدهم: أتمنى أن يكون لي جبل كجبل أحد من الذهب والفضة لكي أنفقه في سبيل الله تعالى، وقال الآخر: أتمنى أن يكون لي وادٍ كوداي عوف مليء بالخيل أغزو بها في سبيل الله تعالى، وهكذا استمرت الأماني على هذه الوتيرة إلى أن وصل الأمر إلى أمير المؤمنين، فقالوا له: وأنت يا أمير المؤمنين؟! قال: أتمنى أن يكون لي مسجد كهذا المسجد مليء برجال من أمثال أبي بكر الصديق.

يقول ذلك لأن أبا بكر كان إماماً لأهل الخير، فقد أسلم على يده ستة من العشرة المبشرين بالجنة، وكل واحد منهم أصبح إماماً في الخير، وكل ثواب من ثواب هؤلاء الستة تجمع في صحيفة حسنات أبي بكر ولا ينقص من ثوابهم شيء.

إن طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هناك يوم القيامة آلاف أسماؤهم طلحة فكيف أعرف عند النداء أنني المقصود؟ قال: (يا طلحة! عندما ينادى عليك لن تقوم إلا أنت) فأحسنوا تسمية أبنائكم فإن العبد ينادى يوم القيامة باسمه وباسم أبيه، فمن قال: اسمي ظالم بن سارق، يقال له: تظلم أنت ويسرق أبوك فقد كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>