للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشد أهل النار عذاباً وأخفهم

ويقول صلى الله عليه وسلم: (ذهب أناس من أهل الكبائر ما تابوا منها من أمتي إلى النار، فيقول -أي: الله تعالى-: يا مالك أدخلهم إلى جهنم) فيدخلهم في الدرك الأول من النار والعياذ بالله، والنار سبع دركات، كل دركة أشد من التي فوقها سبعين ضعفاً، يعني: كلما نزلت دركات اشتد العذاب، واضرب سبعين في سبعين لتعرف مضاعفة العذاب لأصحاب الدرك الأسفل من النار، وهي تصل إلى أربعمائة وتسعين مرة.

وأخف أهل جهنم عذاباً هو أبو طالب، وهذا ويقال: إن الشفاعة السادسة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي لعمه أبي طالب، وقد أتاه سيدنا الحبيب في مرض موته وجلس عند رأسه، وفي الناحية الثانية أبو لهب وهو أخ لـ أبي طالب وعم رسول الله، وأبو لهب بجوار أبي جهل، والرسول خائف على عمه فوقف بجنبه فقال له: (يا عم! قلها أشفع لك بها عند ربي) أي: قل فقط: لا إله إلا الله، حتى أقف أمام الله أقول: يا رب قال: لا إله إلا الله ونصر دين الإسلام، فيأتي أبو لهب ويقول: يا شيخ قريش! ويا كبيرها! تقول قريش والعرب: صبأ أبو طالب وهو يموت، فالشيطان أيضاً جالس في هذا المكان، اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المحيا والممات يا رب العالمين! فنظر أبو طالب إلى كلام أبي لهب على أنه صحيح، فماذا سيقول الناس عني في آخر أيامي: صبأ عن دينه، ويكرر عليه النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عم قلها) أي: قل فقط: لا إله إلا الله، وأبو لهب وأبو جهل يحذرانه، انتبه يا أبا طالب أن تقولها، حتى لا يقول عليك كذا وكذا، فمات من غير أن يقول: لا إله إلا الله، وبكى الرسول عليه بكاءً مراً، وخفف القرآن من وجده بقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦].

وبقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:٦]، أي: لا تهلك نفسك يا محمد أسفاً وألماً عليهم، {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٣].

وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:٢١ - ٢٦].

فذهب العباس ودفن أبا طالب، ورجع فبكى على أخيه، وقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا ابن أخي! ألا تشفع عند ربك لعمك أبي طالب؟ وقف جنبك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعوت الله له يا عماه.

فقال له: وماذا أعطاك؟ قال: شفعني فيه فخفف عنه حتى يكون في ضحضاح من نار يلبس نعلين من نار يغلي منهما دماغه، وهو أخف أهل النار عذاباً يوم القيامة).

عجبت للجنة كيف نام طالبها، وعجبت للنار كيف نام راهبها، ونشاهد أن من أراد الجنة نائم، ومن خاف من النار نائم كذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من مشمر للجنة؟ ألا من مشمر للجنة؟) وقال: (ألا إن من خاف أدلج) ومعنى: أدلج أي: سار ليلاً، ثم قال: (ومن أدلج فقد بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) هذا كلام رسول الله، وسلعة ربنا حقاً غالية جداً، لأنه اشترى منا أنفسنا وأموالنا وأعطانا الثمن في قوله: {بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١١١]، اللهم اجعلنا من الفائزين في هذا اليوم يا رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>