للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشفاعة والميزان]

الحمد لله حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعمه علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الخامسة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، أو عن الموت وما بعده، فاللهم ارزقنا يا ربنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روح وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً، لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً.

اللهم من أراد بالمسلمين كيداً فاجعل كيده في نحره.

اللهم أوقع الكافرين في الكافرين وأخرجنا من بينهم سالمين، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك يا رب العالمين معافين غير ضالين ولا مضلين، وغير مبدلين ولا مغيرين.

اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.

اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النار.

اللهم زحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل.

اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام.

اللهم اسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً.

اللهم أفرح بنا قلب نبينا، اللهم أفرح بنا قلب نبينا، اللهم أفرح بنا قلب نبينا.

اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا.

اللهم أوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، واجعلنا من رفقائه في الفردوس الأعلى، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تبلغنا، اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا.

اللهم أرنا وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا من التمتع بالنظر إلى وجهك الكريم، واجعلنا ممن: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:١٠] ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى الأنبياء والصالحين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

توقفنا في الحلقة الرابعة عشرة عند الحديث عن الشفاعة؛ فاللهم شفع فينا نبينا يا رب العالمين، قبل الحديث عن الشفاعة تفرقنا ونحن نشاهد أهل المحشر ونحن منهم، اللهم ثبتنا يومها بالقول الثابت يا ربنا اللهم آمين.

رأينا كيف خرج الناس من القبور، وكيف جمعهم الله في صعيد واحد، في أرض بلقع بيضاء نقية لم يعص الله عليها بمعصية، ولم يرتكب فيها أي نوع من الأخطاء التي تغضب الله رب العالمين كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما قال الله عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:٤٨] فالأرض سوف تتغير إلى أرض أخرى، والسماوات إلى سماوات أخرى {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} [النجم:٤٧] يعني: ربنا سوف ينشئنا، {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة:٦١] فهو سبحانه سوف ينشئنا نشأة أخرى، تخالف شكلاً، وموضوعاً، وأرضاً، وطريقة، وكلاماً، سوف يبعث الناس يوم القيامة على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء، يعني: إذا كان الذراع يساوي (٧٥سم) ففي الجنة طول الواحد منا (٤٥) متراً، هذه مسألة تخرج خارج حدود العقل، لكن ما علينا إلا أن نقول: صدقت يا رسول الله؛ لأنه هو الصادق الأمين المعصوم، فالكلام الذي يقوله نصدق به، ويجب أن نكون من أول المصدقين بما يقوله الحبيب الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.

ثم بعد ذلك رأينا كيف ذهب وفد من البشر إلى أبيهم آدم ليستشفع لهم عند الله؛ لكي يبدأ الحساب، ولكن أبانا آدم يرفض ويعتذر ويعلم أبناءه من البشرية كلها أن الله قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله من قبل، لما غضب الله على قوم نوح في الدنيا أرسل عليهم الطوفان، لكن غضب الله يوم القيامة أشد من غضبه يوم الطوفان، فآدم قال: غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله قط.

كذلك لما غضب الله على قوم لوط بعث لهم سيدنا جبريل فأخذ القرية على جناحه لما ارتكبت اللواط والشذوذ، حتى سمع الملائكة نباح كلابهم، فقلب هذه القرية رأساً على عقب، ثم أمطروا بحجارة من سجيل مسومة عند ربك، أي معلمة، يعني: الحجر مكتوب عليها اسم الله، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١] لكن الله يوم القيامة سوف يغضب غضباً أشد من غضبه يوم عقابه لقوم لوط، وأشد من يوم الصيحة، ومن يوم الريح العقيم التي ذكرت في كتاب الله عز وجل.

كذلك لما أخذت بني إسرائيل الصاعقة، نزلت على السبعين شخصاً عندما قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:٥٥] غضب الله عليهم، لكن غضبه يوم القيامة أشد من غضبه على بني إسرائيل.

إذاً: اعتذار سيدنا آدم، وسيدنا نوح، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى، وسيدنا عيسى وكل يقول: لقد غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله من قبل، ولن يغضب مثله من بعد، هذه الغضبة هي قمة غضب الله عز وجل، اللهم أجرنا من غضبك يا رب العالمين، وارض عنا فيمن رضيت، كل يقول: أنا لست لها، هذا ليس موقفي، كل واحد يهرب, فإبراهيم ينسى ابنه إسماعيل ويمسك بقوائم العرش، وموسى ينسى أخاه هارون ويمسك بقوائم العرش، ونوح لا يجادل في قضية ابنه يمسك بقوائم العرش، وعيسى ينسى أمه مريم ابنة عمران ويقول: نفسي نفسي ويمسك بقوائم العرش، فلا يقوم لهذا المقام إلا صاحب المقام المحمود عليه الصلاة والسلام، ونحن دائماً ندعو له أن يبعثه الله مقاماً محموداً كما وعده رب العباد في كتابه الكريم، والمقام المحمود منزلة لا تكتب إلا لعبد واحد فقط؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (فعسى أن يكون أنا هو) هذا من أدبه صلى الله عليه وسلم يقول: أتمنى أن أكون أنا، لم يقل: أنا صاحب هذه المنزلة.

رأينا كيف بدأ الله الحساب، وكيف تطايرت الصحف، وكيف علق لكل إنسان كتابه، وكيف من أخذ الكتاب بيمينه ومن أخذه بشماله ومن أخذه من وراء ظهره، ورأينا كيف نصب الموازين، وكيف أمر الله عز وجل بجهنم أن تجيء؛ وسوف نأتي للتفصيل في موضوعات وحلقات النار والعياذ بالله لموضوع: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ} [الفجر:٢٣ - ٢٤] أي: كل واحد مقصر، وكل واحد في هذا المحشر وفي هذا الموقف: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٤]، {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:٥] الإنسان يرى أمامه ما قدمه وما أخره؛ إن قدمت خيراً وأنت على قيد الحياة كتب لك خيراً، وإن أخرت خيراً بعد مماتك أيضاً كتب لك خيراً، كمن خلف ولداً صالحاً يدعو له، أو علماً ينتفع به، أو صدقة جارية، أو بنى مسجداً، أو كتب مصحفاً، أو علّم علماً، أو حفر بئراً، أو أجرى نهراً، أو غرس نخلاً، كل هذه الأعمال يجري ثوابها للعبد بعد موته.

وقفنا في حديثنا عندما تطايرت الصحف، واستلم كل كتابه، اللهم اجعلنا من الذين يتسلمونه بيمينهم يا رب العالمين، ثم وضعت الموازين واتفقنا فيما بيننا أننا نميل إلى أنه ميزان واحد، وقلنا: إن العرب يطلقون الجمع على المفرد، قال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:١٢٣] وقوم عاد لهم رسول واحد.

إذاً: قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:٤٧] الموازين هنا هي ميزان واحد يوزن به أعمال العباد كلهم، بحيث تكون الحجة البالغة لله على الخلائق.

إذاً: توزن الأعمال فمنا من يسعد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وذلك بأن تثقل موازينه، وهناك من تخف موازينهم، والرسول صلى الله عليه وسلم واقف عند الميزان، وهو أحد المواقف الثلاثة له صلى الله عليه وسلم، ولما قال له أنس رضي الله عنه: أين نجدك في الآخرة؟ قال له: (اطلبني عند الميزان، أو اطلبني عند الصراط، أو اطلبني عند الحوض؛ لا أخطئ هذه المواطن الثلاثة).

<<  <  ج: ص:  >  >>