للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الترغيب في الجنة والترهيب من النار]

أخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المسلمين! ارغبوا فيما رغبكم الله فيه، واحذروا وخافوا ما خوفكم الله به من عذابه وعقابه ومن جهنم، فإنها لو كانت قطرة من الجنة في دنياكم لحلتها لكم، ولو كانت قطرة لكم من النار في دنياكم لخبثتها وأنتنتها عليكم).

أي: أحبوا الشيء الذي رغبكم الله فيه، وهي الجنة بالعمل، فلو أن قطرة من الجنة نزلت إلى الدنيا بمرارتها ستكون الدنيا حلوة، ولو أن قطرة من النار -والعياذ بالله- تنزل إلى الدنيا تزيدها خبثاً علينا والعياذ بالله رب العالمين.

قال رسول الله صلى الله عليه: (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً بليل) أي: أتى في الليل وهو مسافر فأشعل النار.

(وأقبلت إليه هذه الفراش) التي تجتمع حول النور.

(والذباب الذي يغشى النار، فجعل يذبها) أي: فجعل يطردها.

(ويغلبنه) أي: لا يردن إلا أن يقعن في النار كما قال صلى الله عليه وسلم: (إلا تقحماً في النار، وأنا آخذ بحجزكم أدعوكم إلى الجنة وتغلبوني إلا تقحماً في نار جهنم).

شبه نفسه برجل أوقد ناراً فاجتمع الفراش، وأراد أن يمنعهن من النار، ويحذرهن من النار.

وهكذا هو حالنا، عندما تحذر أحداً من النار، وتقول له: لا تظلم، لا تنم، لا تسرق، سبحان الله! بدون فائدة، فتراه يريد أن يتخطى حاجز رسول الله ويدخل النار والعياذ بالله، اللهم أبعدنا عنها يا رب العالمين! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم، فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره، وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات، فلا تلهينكم دنياكم عن أخراكم).

فقوله: (اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم) أي: اطلب الجنة بالقدر الذي تستطيعه، واعمل أي خير، وأحب المسلمين، وأحب الإسلام، وأحب رسول الإسلام، وأحب القرآن، وأحب مجالس العلم، فالمهم أن تعمل خيراً.

قال: (فإن الجنة لا ينام طالبها) وكيف ينام من يطلب الجنة؟ (والنار لا ينام هاربها) وليس من الممكن أن ينام؟! (وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكارة) أي: كل الصعوبات موجودة في طريق أهل الدين، فتجد قرارات وغير ذلك ضدهم، لكن المهرج كل شيء في صالحه.

والآخرة محفوفة بالمكاره، والدنيا كلها لذات وشهوات، قال: (فلا تلهينكم دنياكم عن أخراكم).

وقال ابن عباس: ينبغي لمن لم يحزن في الدنيا أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، فالذي كان حزيناً في الدنيا لا يحزنه الله في الآخرة.

وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف ألا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:٢٦]، فالإشفاق: هو المخافة من الله عز وجل.

عن عياض بن حمار المجاشعي عن سيدنا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط -أي: عادل- متصدق موفق) كمدير المدرسة، أو مدير المستشفى، أو رئيس مجلس إدارة، أو وزير، أو رئيس، أو رئيس وزراء، أو محافظ، أو رئيس مجلس مدينة، أو صاحب ورشة، أو صاحب عمل، أو مدير مكتب، فكل واحد من هؤلاء يسمى ذا سلطان، فما دام تحت يدك أناس يعملون فأنت ذو سلطان، فانتبه أن تظلم أحداً منهم.

كذلك امرأتك وأولادك أنت السلطان عليهم، فاتق الله في سلطانك، وفي الحديث: (دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبة، ودينار أعطيته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، قال: الدينار الذي أنفقته على أهلك أعظم أجراً).

والصنف الثاني من أهل الجنة: (ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم) أي: رجل رحيم بالناس رقيق القلب، قلبه حنون ليس جامداً، تجد بعض الناس يقول: أنا من يوم أن ولدت لم أبك قط، فنقول له: نسأل الله أن يرقق قلبك، وذهبت امرأة تشكو لـ عائشة رضي الله عنها أنها لا تبكي، فقالت لها: اذكري الموت والآخرة يرق قلبك يا أمة الله! والصنف الثالث من أهل الجنة: (وعفيف ضعيف متضعف ذو عيال) أي: رجل لا يجد ما يأكل، كأن يكون موظفاً متعففاً دخله محدود ولديه أولاد، ولا يمد يده للناس، فهذا من أهل الجنة إن شاء الله، اللهم اجعلنا من أهلها.

قال: (وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبع لا يبغون فيكم أهلاً ولا مالاً)، وهذا هو الإمعة، الذي يكون تبعاً، فأيام الملك يقول: يعيش الملك، وأيام الثورة يقول: تحيا الثورة، وأيام الاشتراكية يقول: هل يوجد أحسن من الاشتراكية؟! وعندما تكون رأسمالية يقول: هكذا أفضل فدع الناس يعيشون، وبعد ذلك يقولون: سوف نبيع القطاع العام، فيقول: هذا أفضل حل، أنا أؤيد هذا الموضوع، فلا تدري مع من يكون، فهذا هو الإمعة، لا يهمه شيء، مات الملك، يحيا الملك.

رأى أشعب جماعة من الشعراء أخذهم الحرس إلى دار أمير المؤمنين، فقال: من المؤكد أن هناك وليمة، ولكن هؤلاء الشعراء شتموا أمير المؤمنين في بعض قصائدهم، وذهبوا إلى أمير المؤمنين ليأخذوا جزاءهم، فلما حاكموا الشعراء وكل واحد منهم أخذ عقوبته، وصلوا إلى أشعب فقالوا له: وأنت ماذا قلت؟ فقال: أنا من الغاوين؟ فقيل: ماذا تقصد بالغاوين؟ فقال أشعب: أليس الله يقول: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:٢٢٤]، فأنا من الغاوين الذي يمشون وراء الشعراء.

فالإمعة: هو الذي ليس له مبدأ، تجده يقول: اتحاد القيم، الاتحاد الاشتراكي، منظمة الشباب، حزبي، فيا بني قل: أنا مسلم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس فأحسنوا، وإن أساءوا فتجنبوا إساءتهم) هكذا أمرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.

النوع الثاني: (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه)، أي: الخائن للأمانة، حتى إنه لا يرجع إلى بيته إلا بشيء حرام.

النوع الثالث: (ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك في أهلك ومالك) المخادع كالموظف الذي يشتغل مع الموظفة، فتقول في نفسها: لو كان هذا زوجاً لي مؤدباً.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من أفسد امرأة على زوجها).

فاتقوا الله يا موظفون ويا موظفات! والذي يغضبون من كلامي، ويسبون في الهاتف، فهؤلاء من الذين يعرفون أنفسهم.

كمثل الرجل الذي قال: السارقون ليسوا أناساً جيدين، فرد عليه الرجل -ويبدو أنه كان سارقاً-: عيب عليك يا أستاذ! أن تقول هكذا.

النوع الرابع من أهل النار والعياذ بالله: البخيل، فالبخيل يعيش في الدنيا عيشة الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة بخيل).

فعندما يرى المال يقول له: كم تعبت بين أيد كثيرة، وتنقلت بين جيوب كثيرة، ادخل هنا فلن ترى النور مرة أخرى.

قال: (وذكر البخل والكذب) فالنوع الخامس: الكذاب؛ لأن المؤمن قد يكون جباناً، لكن لا يكون كذاباً، فاحذر الكذب.

قال: (والشنظير الفحاش) أي: بذيء اللسان، الذي يكون كل كلامه سيئاً بذيئاً.

فانتبه لهذا، واجعل لسانك يقطر شهداً لا يقطر مرارة.

نسأل الله سبحانه وتعالى في ختام هذه الجلسة أن يجعل هذه الجلسة في ميزان حسناتنا يوم القيامة.

اللهم ثقل بها موازيننا، واغفر لنا ذنوبنا، ويسر لنا أمورنا، اللهم فرج الكرب عن المكروبين، اللهم إنك تعلم أننا مقهورون فانصرنا، أذلاء فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، بكرمك وجودك يا عزيز يا غفار! ارحمنا فإنك بنا راحم، لا تعذبنا فأنت علينا قادر، اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>