للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من يسكن الدرك الأسفل من النار]

أما الدرك الأسفل ففيه ثلاث عينات: المنافقون وأصحاب المائدة وفرعون ومن تبعه.

قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:١٤٥].

وأصحاب المائدة هم أصحاب سيدنا عيسى، فمن سوء أدبهم قالوا: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة:١١٢] انظر إلى التعبير، قالوا: (هل يستطيع ربك) ولم يقولوا: ربنا، وكذلك اليهود قالوا لسيدنا موسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤].

قالوا: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة:١١٢]، فأخذ عيسى عليه السلام يذكرهم بالله ويعظهم فقالوا: {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:١١٣].

فقال الله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [المائدة:١١٥] واشترط عليهم سيدنا عيسى أن يأكلوا ولا يدخروا؛ وذلك لأن الله سينزل لهم كل يوم مائدة، فلابد من الثقة والإيمان بالله عز وجل، لكنهم أكلوا وخبئوا وظنوا أن عيسى عليه السلام يكذب عليهم.

فغضب الله عليهم غضباً لم يغضب مثله على أحد من العالمين من قبل، فهؤلاء مع المنافقين في الدرك الأسفل، كذلك قال الله تعالى في شأن فرعون وقومه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] والعياذ بالله رب العالمين، فهؤلاء سكان دركات النار والعياذ بالله رب العالمين.

وهذا الروح الأمين جبريل جاء منكس الطرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي أراك يا جبريل حزيناً؟ قال: جئتك بآيات: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢١ - ٢٤] إلى آخر السورة، قال: وما الذي أغضبك؟ قال: جيء يومها يا رسول الله! بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام يقوده سبعون ألف ملك، فبينما هم كذلك إذ شردت عليهم شردة -يعني: قفزت عليهم وانقلبت من بين أيديهم- فلولا أن أدركوها لأحرقت من في الجمع، فأخذوها برحمة الله عز وجل، وما زال يلقى فيها فوج وفوج ويقول الله لها: هل امتلأت وتقول: هل من مزيد إلى أن يضع الرحمن فيها إصبعه فتقول: قط قط قط، بعزتك قد امتلأت بعزتك قد امتلأت بعزتك قد امتلأت، وينزوي بعضها إلى بعض خشية وخوفاً من الجبار أن يكون قد خلق خلقاً غيرها يعذبها به.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>