للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من أسباب دخول النار]

تكلمنا في الحلقة الماضية أن النار سبع دركات، بعضها أسفل من بعض، وكل دركة أشد من التي فوقها سبعين ضعفاً، فإذا نزل المنافق في الدرك الأسفل وجدها أشد حرارة بأربعمائة وتسعين مرة عما فوقها! قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٣]، أول سبب لدخول النار ترك الصلاة.

قال تعالى: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر:٤٤]، أي: لا صدقة ولا زكاة.

{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:٤٥]، يتحدثون في الباطل فيلمزون المسلمين ويطعنون في الملتزمين، فكلما رأى ملتزماً أو امرأة منقبة يقول: هؤلاء متطرفون هؤلاء سيجلبون علينا المشاكل ويخربون البلاد.

{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر:٤٦] والعياذ بالله! والمسألة ليست مسألة تكذيب أو إنكار، لكنه يرى نفسه مسلماً فيترك الصلاة والصيام والزكاة ويعادي أولياء الله ويقول: الله غفور رحيم، ويستهزئ قائلاً: ستدخل الجنة! احجز لي مقعداً بجنبك، وهذه قلة أدب، ولذلك المسلم دائماً عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما وسعه ذلك، بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له ربه: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٣]، ويقول تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:٤٨]، ويقول: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢]، تسلك في الحياة مسلك الصالحين بأسلوبك أنت بالصدق والتواضع، وبلين الجانب، وببسط الوجه، وبقضاء مصالح المسلمين، وبالسعي في حل مشاكلهم، هذا أسلوبك في الحياة، وليس للمسلم أن يغضب ويشدد على الناس.

إذاً: المسلم دائماً يوقن أن الله عز وجل هو الذي يملك أمر يوم القيامة وحده، لا أحد يملكه معه، قال تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الحج:٥٦]، وقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:١٧ - ١٩].

الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا الشفاعة فقط، يقول: أنا بلغت يا رب، ويقف وهو يقول: يا رب أمتي! يا رب أمتي! ومن رأفته يريد أن يشفع في أناس معينين؟ فيقال: لا، {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٨]، لم يكن يصلي، وكان يخوض مع الخائضين فلا يقبل الله فيه شفاعة الشافعين.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال له رجل: (يا رسول الله! ادع الله أن أكون رفيقك في الجنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعني على نفسك بكثرة السجود)، أرشده إلى أن يصلي كثيراً، وذلك لأجل أن تحل له شفاعته، وإذا لم يصل فكيف سيشفع له؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم لأهله: (لا يأتيني الناس يوم القيامة بالحسنات، وتأتوني أنتم بأوزاركم على ظهوركم تقولون: أدركنا يا محمد، فأقول ما قاله العبد الصالح: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨])، لا ينفع حتى أهله (يا عباس! يا عم رسول الله! اعمل لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية! يا عمة رسول الله! اعملي، لا أغني عنك من الله شيئاً.

يا فاطمة! يا بنت محمد! اعملي، لا أغني عنك من الله شيئاً).

فهذه فاطمة سوف تدخل الجنة برحمة الله، أما أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع لإنسان كان لا يصلي، ولا يزكي، وكان يخوض مع الخائضين، ويكذب بيوم الدين فلا.

وكثير من الناس يردون الأمر على الله عز وجل، فمثلاً: في الحديث الصحيح: أن البيت الذي فيه تمثال أو صورة لا تدخله الملائكة، وكذلك البيت الذي فيه كلب، هذا الحديث متفق عليه، لكنه يقول لك: الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد أن الناس كانوا يعبدونه، أما تمثال لقيمة فنية وجمالية، فهذا ليس حراماً.

الرسول يقول: هذا حرام، وأنت تقول: ليس بحرام! أصدقك أنت أو أصدق رسول الله!؟ فهذا يرد الأمر على الآمر، مثل عمل إبليس عندما أمر بالسجود فقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء:٦١]، وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢] وهكذا في كثير من الأمور، وبعضهم يقول: لا يوجد اختلاط في الإسلام فالبنت جنب الولد مثل أخيها، يا أخي: لا يجوز ذلك، افصل بينهما، هذا فيه فتح باب الشهوات والغرائز الجنسية، هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فجلست بجواره تشتكي إليه، ثم غادرت المكان، فجاء رجل بعدها ينتظر دوره وجلس في مكانها ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا بالرسول يأخذ بيده وينقله إلى الجانب الآخر، فسئل عن ذلك؟ فقال: (لكي لا يستشعر دفء مكانها)، فالرسول يحميه من مداخل الشيطان.

وعلماء التربية الحديثة يقولون: إن كل ذرة في جسد الرجل تدل على الذكورة، وكل ذرة في جسد المرأة تدل على الأنوثة، فهذه حكمة الله سبحانه وتعالى، أنه كل جنس له تخصصه، فالمرأة تستطيع أن تلد وترضع وعندها عاطفة، والرجل عنده خشونة وقوة، وعنده تحمل للمسئولية، وعنده عاطفة مؤخرة عن العقل، ولا يقدر أن يرضع، ولا يقدر أن يبقى مع الأولاد في البيت، قال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:١١]، فالمسلم عليه أن يؤمن بكل ما جاء في كتاب الله، وبكل ما جاء في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>