للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر بكتابة الوصية قبل الموت حال الصحة والمرض]

أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل الحلقة الثالثة من سلسلة الحديث عن الدار الآخرة، وهي الحلقات التي يختص الحديث فيها بالموت وما بعده، وهي الرحلة الأساسية لكل إنسان في هذه الحياة، وهي الدار الباقية التي ينادى فيها أهل الجنة وأهل النار: (يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت).

اللهم اجعلها جنة أبداً وخلوداً في جنة الرضوان يا رب العالمين.

وليس الحديث عن الدار الآخرة حديثاً للقنوط أو لليأس، ولكنه حديث يشحذ الهمم نحو الله عز وجل، ونحو الفرار إليه سبحانه وتعالى، وهو الذي أمرنا بالفرار إليه، والمسلم دائماً يفر من الدنيا إلى الله، ومن الناس إلى الله، ومن الابتلاءات إلى الله، ويعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه.

والحديث عن الموت وما بعد الموت يوسع صدر الإنسان الضيق، ويشرح صدر الإنسان المنغلق، ويضيء قلب المسلم العاصي، وينير الطريق لكل واحد منا، فما الذي ينجيه بعد الموت؟ وما الذي يوجب العذاب بعد الموت؟ عندما يدرك الإنسان هذه الحقائق كلها يدرك أنه في الدنيا ضيف، وأن الدنيا عارية مسترجعة مؤداة إلى رب العباد سبحانه وتعالى، وأنه لابد للإنسان أن يرحل منها؛ لأنه يسمع كلام الصادق صلى الله عليه وسلم محمد حيث يقول: (إنما أنا في الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها).

فالإنسان نهايته الموت، وإذا حملت أيها الإنسان جنازة إلى قبر من القبور فاعلم أنك سوف تحمل، وإن غسلت ميتاً فاعلم أنك بعدها سوف تغسل، وإن اشتريت كفناً لميت قريب أو عزيز لديك فاعلم أنه سوف يشترى لك كفن، واعلم أنك إن لحدت ميتاً أو وضعته في قبره فسوف يأتي عليك وقت توضع أيضاً في قبرك، وحتى من مهمته وشغلته أن يلحد الأموات في قبورهم، فإنه سوف يلحد يوماً ما، وسوف يموت يوماً ما، ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

تحدثنا في الدرس الماضي عن الوصية، وقلنا: إنه لابد لكل مسلم ألا ينام إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه.

والوصية لا تخص المال أو العقار فقط، بل لو أن أحد أقاربك وأهلك لطم الخدود أو شق الجيوب، أو أن المرأة صاحت وقالت: يا سبع يا جملي لمن تتركنا؟ فكل هذا الكلام تكون قد أعلنت براءتك منه، وأوصيت بهذه البراءة، حتى إن نزلت إلى القبر كنت بريئاً من أي عمل يخالف ما جاء في الكتاب عن الله وما جاء في السنة عن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.