للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خروج أهل الكبائر من أمة محمد من النار]

قال: فإذا وردوا على مالك قال لهم: معاشر الأشقياء من أي أمة أنتم من الأمم؟ فما ورد علي أحسن وجوهاً منكم، فيقولون: يا مالك! نحن من أمة القرآن، فيقول لهم: يا معاشر الأشقياء! أوليس القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فيرفعون أصواتهم بالنحيب والبكاء.

يعني: أن مالكاً يقرعهم، ويقول لهم: الله أنزل القرآن على محمد وقال لكم: كذا وكذا وكذا، فيقولون: نعم، حصل وحصل وحصل، وجاء في الحديث: (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الفراش والجنادب تتهاوى من حوله، وأنا آخذ بحجزكم، ولكنكم تتفلتون فتقعون فيها).

ثم قال: فيقولون: وا محمداه، وا محمداه، وا محمداه ثلاث مرات، اشفع لمن أمر الله به إلى النار من أمتك، قال: فينادى مالك بتهدد وانتهار: يا مالك! من أمرك بمعاتبة أهل الشقاء ومحادثتهم، والتوقف معهم عند دخولهم إلى النار، يا مالك! لا تسود وجوههم فقد كانوا يسجدون لي في دار الدنيا، يا مالك! لا تغلهم بالأغلال فقد كانوا يغتسلون من الجنابة، يا مالك! لا تعذبهم بالأنكال ولا تلبسهم القطران، فقد طافوا حول بيتي الحرام، وخلعوا ثيابهم للإحرام، يا مالك! مر النار لا تحرق ألسنتهم فقد كانوا يقرءون القرآن، فتأخذهم النار على قدر أعمالهم، فالنار أعرف بهم وبمقادير استحقاقهم من الوالدة بولدها، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته، ومنهم من تأخذه النار إلى صدره، فإذا انتقم الله عز وجل منهم على قدر كبائرهم وعتوهم وإصرارهم فتح بينهم وبين المشركين باباً لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً، فينادون: يا رباه! يا سيداه! ارحم من لا يشرك بك في دار الدنيا، يا محمد! اشفع للأشقياء من أمتك، فيقول المشركون: ما أغنى عنكم محمد شيئاً، ها أنتم معنا في نار جهنم.

يعني: حرمتم على أنفسكم أشياء في الدنيا وها أنتم معنا في النار.

ثم قال: فعندئذ يقول الله عز وجل: أنا الرحمن الرحيم، لا أجعل من قال: لا إله إلا الله كمن أبى أن يقول: لا إله إلا الله، يا مالك! أخرج من النار كل من قال: لا إله إلا الله، وهذا تفسير كلام الله عز وجل: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:٢] يعني: في هذا الوقت، يقولون ليتنا قلنا: لا إله إلا لله؛ ولذلك جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بجانب أبي طالب في مرض موته فقال له: (يا عماه! قل: لا إله الله اشفع لك بها عند ربي).

وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! أخبرني عن أهل النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، كل شديد قعبري، فقال: وما القعبري يا رسول الله؟! قال: الشديد على العشيرة، الشديد على الأهل، الشديد على الصاحب) يعني: أنه عنيف وغليظ في معاملته على الأهل وعلى الجار، وعلى زوجته وعلى أولاده وعلى المسلمين وعلى أصحابه، والمسلم لا يعرف العنف.

وهذا سيدنا سواد بن غزية رضي الله عنه وهو واقف في الصف في غزوة بدر وتقدم على الصف قليلاً فطعنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقدح في يده وقال: (استو يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله عن بطنه وقال: استقد، فاعتنقه سواد وقبله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال: يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك).

<<  <  ج: ص:  >  >>