للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من مفاتيح الإيمان التفكر في مخلوقات الله]

إذاً: الإيمان له مفتاح، ومفتاحه التفكر في كل شيء.

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد أصحاب الهندسة المكنيكيه يقولون: أصعب اختراع في الآلات الآلة الماسكة، وهي التي تشبه يد الإنسان، فالله جعل للعبد أربع أصابع في اتجاه واحد، وإصبعاً يرجع عليها في اتجاه آخر، قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:٤] هناك تفسير يقول: الله عز وجل برحمته جعل لك أصابع متفرقة وكان الله قادراً أن يجعلها لك مثل خف الجمل لا تستطيع أن تمسك بها، لكن عمل كل أصبع لوحده؛ حتى تقدر على الحركة، وجعل لكل إصبع بصمة تختلف عن البصمة الأخرى.

يوجد ملايين البشر بصماتهم غير متشابهة ولا متماثلة، فسبحان الذي خلق، وسبحان الذي صور، وسبحان الذي أبدع؛ لأن هناك جماعة منحرفين يقولون: يوجد تناسخ أرواح في الأبناء والأحفاد والأجيال، يعتقدون أن الأرواح قد انتهت فلا يوجد فيها جديد، يقول تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٨] وخزائنه لا تنفد! الإنسان عليه أن يتفكر في نفسه وجسمه وبدنه الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، قال الشاعر: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ولذلك قال سيدنا علي: والله لا موسى ولا عيسى المسيح ولا محمد كلا ولا النفس البسيـ ـطة لا ولا العقل المجرد بل أنت يا رسطو ومن أفلاط قبلك يا مبلّد من أنتم إلا الفراش رأى الشهاب وقد توقد فدنى فأحرق نفسه ولو اهتدى رشداً لأبعد التفكر في ذات الله هلاك، ولكن التفكر في رحمة الله وفي صفاته وفضله وعظمته وقدرته مفتاح الإيمان، انظر إلى هذه الرياح كيف تنقل حبوب اللقاح! وتأتي رحمة الله، وتحرك السحاب من أرض إلى أرض فنزل المطر، والرياح تسير المركب في البحار والأنهار، كل هذه من نعم الله فلنشكر ربنا عليها.

مع أنه يجب أن نشكر الله عليها؛ لأن الإنسان بطبيعته لا يشكر الله إلا على نعمة خاصة به، وكما قلت لكم من قبل: إن الله عز وجل يقول: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:١٧ - ١٩] قال أهل العلم: لو أعطيت مفاتيح الجنة لأحد المؤمنين لأقفل الباب وراءه؛ لأنه بطبيعته طماع، يحب الخير لنفسه، لكن من رحمة الله أن الملك يومئذ لله، فالمؤمن عندما يرى النعيم ينشرح صدره، ويخاف عندما يعصي الله، ويرجو الله عندما يطيع، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:٩] اللهم اجعلنا من الذين يحذرون الآخرة، ويرجون رحمتك يا رب العالمين! فساعات التفكر هذه مفاتيح للإيمان، ولذلك المسلم يتفكر في نفسه أولاً، ثم يتفكر في مخلوقات الله وهذا باحث في عالم الحشرات، قعد مع النمل سبع سنين فكان يضع للنمل كل نوع من أنواع الحبوب فتكسر النمل الحبة نصفين؛ لأن أي حبة لو مكثت تحت أي ظروف من بخار ماء لنبتت، فالنملة عندما تدخل الحب في الجحر، أول ما تأخذه تكسره إلى نصفين، لكن هناك نوع يشذ عن جميع أنواع الحبوب في كيفية تكسيره هو حبوب الكزبرة، وضع لها الباحث حبة الكزبرة فوجد أن النمل تقسم الحبة إلى ثلاثة أقسام، من الذي علم النملة هذا الفعل؟ لم تدرس النمل في أي كلية أكاديمية أو علوم أو طب أو زراعة، وإنما الذي علمها هو الله سبحانه، ولذلك استغرب هذا الباحث وقال: لعل النمل تعلمت هذا الفعل من آبائها، بحكم الوراثة في المعرفة، فحاول أن يعزل مجموعة من النمل لم تعرف آباءها ولا أمهاتها، فجعلها في مكان لوحدها، ثم جعل يعطيها حبوب الكزبرة، وإذا بالنمل يكسرها إلى ثلاثة أكسار، فهو يتحدث عن نفسه قائلاً: لم نصل إلى معرفة هذا السر، ولم يعلم أنها آية من آيات الله سبحانه وتعالى، ولذا قال فرعون لموسى وهارون في سورة طه: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:٤٩ - ٥٠].

وهناك طائر يطير وهو أعمى ولا يصطدم بالحيطان، اكتشف العلم الحديث أن له خلايا كهرومغناطيسية غير مرئية، وكل ذلك من قدرة الله أولاً وأخيراً.

وتجد الثعبان له عضلات يمشي بها على الأرض، وله أكل معين، وحياة معينة، والحشرات لها حياة معينة، والدود في الأرض، والضفادع وغيرها من الكائنات.

أما البحار فهي عالم آخر، جعل الله البحر مالحاً؛ لأنه توجد فيه من الكائنات البحرية آلاف الملايين وهي تموت فيه، والملح الذي في باطن البحر يحفظ هذه الكائنات الحية التي تموت، فلا تخرج منها روائح كريهة، ولو لم يكن في البحر والمحيط ملح لمات أهل الأرض جميعاً من نتن رائحة البحر، فهذه نعم تستوجب الشكر والتأمل، اللهم اجعلنا من المتفكرين يا رب العالمين!

<<  <  ج: ص:  >  >>