للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تدبر القرآن]

أول مفتاح يبعث على حياة قلبك الإيمانية هو التدبر في كتاب الله، واسمعوا إلى مؤمن آل فرعون عندما قال: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:٤١]، هذا خطاب أهل العلم، وخطاب الرسل كلهم، ومن يحمل رايتهم: {مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر:٤١]، يقول لهم: تعالوا أهدكم سبيل الرشاد، وقال: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:٣٢]، وقال: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ} [غافر:٢٩]، أنتم اليوم عظماء وملوك على الكراسي، ولكن يوم القيامة من ينفعكم؟ قلنا: الأم تنادي ابنها يوم القيامة قائلة: يا بني! كان بطني لك وعاء، وصدري لك سقاء، وحجري لك وطاء، هل من حسنة تنفعني بها هذا اليوم؟ فيقول: يا أماه! أنا لا أنكر شيئاً من ذلك، ولكن هل عندك أنت من حسنة تنفعني؟ ويقول الابن لأبيه: يا أبت! كنت باراً بك، وشفوقاً بك، ورحيماً بك ألا من حسنة؟ فيقول له: يا بني! أنا أشكو مما تشكو أنت منه، أليس عندك أنت من حسنة؟ ثم يفتدي المرء نفسه بأقاربه قائلاً: خذ أبوي خذ أولادي، خذ امرأتي، حتى الأنبياء يقولون: نفسي نفسي! إلا سيدنا محمداً فإنه يقول: يا رب أمتي! يا رب أمتي! قام صلى الله عليه وسلم ليلة بآية يقرؤها ويبكي حتى أذن الفجر وهي قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨] فأرسل الله جبريل فنزل عليه وقال: يا محمد! ما يبكيك؟ قال: (من لأمتي من بعدي يا جبريل)، وهذا رواه الإمام أحمد، ورواية الإمام مسلم: (لن يحن عليكم من بعدي إلا الرحماء من أمتي)، الناس الذين يجالسون العلماء في مجالس العلم، ويحبون أهل الخير، هؤلاء هم الذين سيرحمون الأمة، أما الذي يظهر في التلفاز يرقص ويضيع صلاة الظهر والعصر ومشغول بالسهرة في الماء ويومه كله ضاع في نظرة وفي كلمة وفي سيئة وفي غيبة ومشاهدة للبطل والبطلة؛ لأنه مفتاح للشر مغلاق للخير فهذا لن يرحم أحداً، وإنما يسن سنة سيئة، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).

وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه يخرج قبل الفجر يتفقد الرعية، فبينما هو يمشي إذ سمع قارئةً للقرآن تقرأ أول سورة الطور إلى أن بلغت قول الله عز وجل: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:٧]، فأغمي عليه، حتى إن الصحابة عادوه أياماً.

إذاً: مفتاح حياة القلب تدبر القرآن، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] القرآن فيه كل ما يحتاجه الناس، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:٣٨]، كل شيء موضح في القرآن، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم لا يخلق من كثرة الرد، عندما تقرأ سورة سيدنا يوسف تحلو كل ما قرأتها، وتزداد حلاوة كل مرة تقرؤها.

إن عبداً من بني إسرائيل عبد الله خمسمائة عام، ثم جيء به، فقال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال: لا يا رب ادخل الجنة بعملي، فقال الله لملائكته: زنوا له أعماله، فوزنوا أعماله، ثم وضعوا أعماله في كفة ونعمة البصر في كفة، فوجدوا أن نعمة البصر رجحت على أعماله، فصار مديوناً لله فقال: أدخلوا عبدي جهنم، فقال: لا يا رب! أدخل الجنة برحمتك! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن قوماً غرتهم الأماني، يقولون: نحسن بالله الظن، ووالله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل).

<<  <  ج: ص:  >  >>