للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[غبطة المؤمن للصالحين وحسد المنافق للصالحين]

روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤتين برجال يوم القيامة ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء).

قلنا: إن المؤمن يغبط، والمنافق يحسد، ومعنى يغبط: يفرح بالنعمة التي عندك، ويدعو الله لك بالزيادة والتثبيت، أما المنافق والعياذ بالله فإنه يتمنى زوال النعمة من يدك حتى وإن لم تؤل إليه، بمعنى: أنه يتمنى أن تؤخذ النعمة منك.

ويقال: إن ملكاً من الملوك جاء باثنين من الحاشية وهو يعلم خبرهما - من معاملته لحاشيته يعرف أخلاقهم جميعاً - أحدهم حسود يحسد كل الناس، والثاني بخيل، وهذه من أسوء الصفات التي لا علاج لها نسأل الله السلامة؛ فقال لهما: ليتمن علي أحدكما أمنية، فمن بدأ أعطيت الثاني ضعف ما طلب الأول، طبعاً الحسود يخاف أن يطلب هو الأول فيأتي البخيل ويأخذ مثله مرتين وهو بطبيعته لا يريد أن يأخذ البخيل شيئاً، والبخيل بطبيعته والعياذ بالله رب العالمين لا يريد أن يأخذ غيره شيئاً؛ فقال: البخيل للحسود: قم أنت، وقال الحسود للبخيل: لا، اطلب أنت، حتى علا صوتهما فتشاجرا، فقال الملك غاضباً: إن لم يطلب أحدكما قطعت رقبة كل واحد منكما، ابدأ يا حسود! فقال الحسود: أتمنى أيها الملك! وأطلب أن تقلع لي إحدى عيني.

لذلك فإنه لا يجتمع في قلب العبد إيمان وحسد.

ذكر أن سهل بن حنيف رضي الله عنه وكان رجلاً أبيض الجلد فأراد أن يغتسل، فرأى عامر بن ربيعة رضي الله عنه جسمه فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة، فوقع سهل بن حنيف رضي الله عنه مكانه، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلاً أصيب بعين، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل عما كان من شأن عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ إن العين حق، توضأ له) فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس، فالعائن يجعلونه يتوضأ بنية الشفاء لأخيه المسلم الذي عانه، وفي أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس مطيعين، فما كان من هذا العائن إلا أن توضأ لأخيه فقام من ساعته وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالحسد موجود؛ وكانت هناك قبائل من العرب قبل الإسلام وبعده كان فيها الحاسدون، فقد كان يمر القطيع من الإبل أو القطيع من الغنم فيقول الرجل لجاريته: خذي هذا الإناء وائتيني بلحم هذا البعير! فما أن يصل البعير إلى بيت صاحبه حتى يكون لحمه في القدر.

قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر).

والحاسد نوعان: حاسد يحسد وهو يعلم، وحاسد يحسد وهو لا يعلم.

فإذا رأت عينك شيئاً يسرك وأنت قاصد؛ فكبّر وبرّك، بأن تقول: الله أكبر بارك الله لك في هذا، فإذا رأيت سيارة جميلة فقل: بارك الله فيها، أو رأيت بيتاً جميلاً فقل: بارك الله لك فيه، أو رأيت بدلة جميلة على أخيك المسلم أو غيرها فقل: بارك الله لك فيها.

كان رجل من بني تميم عائناً، فقالوا له: إن هذه البقرة تحلب لبناً كثيراً! فقال: أروني هذه البقرة، فأروه بقرة أخرى تفنيداً له، فسقطت البقرتان في وقت واحد.

إذاً: المسلم إذا أعجبه شيء، يقول: الله أكبر! بارك الله لك فيه، أو يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، والمشكلة تكمن في العائن الذي يعين وهو لا يعلم؛ فأنت عندما تثق أن هناك عائناً يدخل بيتك ينقلب البيت رأساً على عقب، فإن رأيت مثل هذا فاقرأ سورتي الفلق والناس، ولذلك قال بعض الفقهاء: إن ولي الأمر إذا علم أن أحداً يحسد الناس يحبسه في بيته وإن كان فقيراً، ويصرف له عطاءً من بيت المال، لكي لا ينتشر فساده في المجتمع.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليؤتين برجال يوم القيامة ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء) يعني: الأنبياء والشهداء يفرحون لهم ويغبطونهم لمنزلتهم العظيمة عند الله عز وجل، قال: (يكونون على منابر من نور) قال الصحابة: ومن هم يا رسول الله؟! قال: (هم الذين يحببون الله إلى الناس ويحببون الناس إلى الله) فالصحابة سألوا عن شق وتركوا الشق الثاني؛ لأنه فطري طبيعي، قالوا: فكيف يحببون الناس إلى الله يا رسول الله؟! أي: فكيف يجعلون الناس يحبون الله؟ قال: (يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فإذا أطاعوهم أحبهم الله سبحانه وتعالى) فأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحبهم الله سبحانه، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].

اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين! ولذلك قال الله عز وجل فيهم: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [النساء:٥٧] لماذا؟ لأنه كان طاهراً في كلامه وثيابه ويده، فيده لا تختلس ولا ترتشي ولا تضرب إنساناً أو تؤذيه، وإنما جوارحه كلها في خدمة الله عز وجل.

يحكى أن سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام قال: يا رب! إذا رأيتني أغادر مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر لي رجلي فإنها نعمة تنعم بها علي.

يقول ذلك لأنه لا يريد أن ينخرط مع أهل السوء ولا يريد أن يدخل مع أهل المعاصي؛ اللهم اجمعنا مع أهل طاعتك يا رب العالمين!

<<  <  ج: ص:  >  >>