للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من صفات عباد الرحمن التعوذ من النار]

الصفة الرابعة قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:٦٥].

ما معنى غراماً؟ الغريم: هو الملازم، يعني: أن عذابها ملازم للمعذبين والعياذ بالله! قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:٦٥ - ٦٦] سبحان الله! وهل يستعاذ من النار بالكلام أم بالعمل؟ بالعمل، نحن قلنا: إن الذي يدخل العبد النار العمل السيئ، مثل الكبائر، وأول شيء يقع في الكبائر اللسان، اللسان فيه أربع كبائر: الكذب، وشهادة الزور، واليمين الغموس، والحالف بالله كاذباً، والغيبة والنميمة، وهذه كبائر لكن ليس لها حد، يعني: لو كانت شرب خمر، أو فواحش سيكون فيها جلد ورجم، لكن هذه كبائر ليس فيها حد، فمن الذي تاب منا من هذه الأربع؟! وكبائر العينين النظر إلى ما حرم الله، الإمام الشافعي رضوان الله عليه وقعت عينه على كعب امرأة، ليس كمثل بعضهم في عمله يعرف وجه السيدة مرجانة، والموظفة زميلتك، وتعرف تفاصيل حياتها أنت أكثر من زوجها، وهذا للأسف بسبب أن الحياء قد نزع من القلوب، وهي تشتكي لك وأنت تشتكي لها من امرأتك، وأسرار الأسر تخرج في المكاتب، نسأل الله السلامة! فالإمام الشافعي يقول: وقعت عيني على كعب امرأة فقلت حصيلة الحفظ عندي.

فذهب إلى وكيع وقال له: إن حفظي قد ساء فقال له: لابد أنك عصيت الله يا شافعي! فقال الشافعي رحمه الله تعالى: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي وخرج الإمام أحمد بن حنبل ليصلي صلاة العصر، فلما خرج من البيت رأى في الطريق الريح رفعت جلباب امرأة ونظر إلى كعب رجلها، فوضع العباءة على وجهه وعاد إلى بيته، وقال: هذا زمان الفتن؛ ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن ترخي جلبابها ذراعاً إلى الأرض، فجاءت امرأة وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الثياب إذا طالت إلى الأرض قد تصيبها النجاسة فقال: (ألا تمرون على أرض جافة؟ قالت: بلى يا رسول الله، قال: هذا يطهر هذا).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العين تزني وزناها النظر)، والنظرة سهم من سهام إبليس، وإذا غض العبد بصره يجد حلاوته في قلبه، وتنطق الحكمة على لسانه، قال الشاعر: كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر تجد الموظفات والموظفين في المكاتب: فلانة أحلى من فلانة، وفلانة أجمل من فلانة، نسأل الله السلامة، وآخر يقول: إن امرأتك كانت تمشي في الشارع، وما يدريك أنها امرأته؟ إذاً: هذه العين من زناها النظر إلى ما حرم الله.

ومن الكبائر التي تقترفها العين النظر إلى المسلم باستهزاء أو سخرية أو كبر أو عدم قبول النصيحة، ينظر إليه بازدراء ويقول: إنني نظرت إليه بنظرة أحرقته! كذلك من الكبائر التي تقترفها العين الحسد، إن الحسد ليدخل الرجل القبر، ويدخل الجمل القدر، مثلما قلنا في الحلقة الماضية، فارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس: ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في صنعه لأنك لم ترض لي ما وهب فجازاك ربي بأن زادني وسد بوجهك باب الطلب الحسود كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله، النار عندما لا تجد ما تحرقه تحرق نفسها مباشرة، فهكذا الحسود يأكل نفسه حتى ينتهي، ولن يأخذ إلا ما قدر له.

أنا أحدثك عن الكبائر من أجل آية: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:٦٥ - ٦٦] أي: بئس المستقر وبئس المقام! من الكبائر التي تقترفها اليدان: الرشوة، والسرقة، وأنا أشك أنه لا يوجد هناك مصلحة في مصر إلا ويوجد فيها رجل مرتش، وسيدنا موسى يقول: يا بني إسرائيل! إن الله لن ينزل علينا المطر من أجل شخص عاص موجود بيننا، فكم من مرتش في مصر! كم من ظالم في مصر! من القمة إلى القاع كلهم أهل رشوة، وينتظرون رحمة الله، المسألة صعبة، المسألة تحتاج إعادة نظر كل منا في نفسه.

قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور:٣١] نريد أن تكون منهاج عمل في أنفسنا وفي بيوتنا وعلى نسائنا وأقاربنا، وهكذا نكون دعاة خير، نمثل صدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

كذلك من الكبائر: إيذاء المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (من رفع على أخيه حديدة فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله).

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل يا رسول الله! فما بال المقتول؟ قال: كان حريصاً على قتل صاحبه)، ويقول صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي: (لزوال الأرض والسماوات وما فيهن أهون عند الله من قتل عبد مسلم)، قال تعالى: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:٣٢] لأن القاتل عندما يقتل شخصاً عنده أمل في أن يقتل البشرية كلها في صفة هذا الشخص، فيا ويل الذين يقتلون الناس مادياً ومعنوياً! فإن هناك أناساً يقتلون الناس معنوياً، يغضبونه في عمله حتى إن الرجل لا يطيق الشغل ولا الوظيفة حتى يأتي له الجنون، فينقلونه إلى مستشفى الأمراض العقلية نتيجة الأمراض النفسية التي أصيب بها، هذا نوع من القتل، وهو أنكى وأصعب، فوالله إن الذي يقتل برصاصة أو بحادث سيارة أو بسكين أو بسم لأهون من الذي يقتل كل يوم! ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت يعيش كئيباً كاسفاً باله قليل الرجاء وعندنا خطأ في كثير من الاصطلاحات، اليتيم: من مات أبوه دون سن البلوغ، لكن شوقي له نظرة أخرى جميلة جداً، يقول: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً الأم تخرج إلى العمل في الصباح الساعة الخامسة، والأب يخرج إلى العمل الساعة العاشرة بالليل، والأولاد يتربون عند الجيران أو في الشارع، ويكون معهم المفتاح أو ليس معهم مفتاح، تراهم عاكفين على الفيديو أو على أي ضلال، وتأتي في الأخير فتجني ثمرة غفلته عن تربية ابنه، وتجني ثمرة عملها نتيجة تقصيرها في تربية ابنها، لا تغضب الموظفات علينا، إننا ما أردنا لهن إلا الخير، ونسأل الله أن يهدينا جميعاً، والله عز وجل سيبارك في القليل، المرأة الموظفة عندما تجلس في البيت، وبدلاً من أنها تريد ثلاثة أو أربعة أحذية في السنة، فإن حذاء واحداً يكفيها طوال السنة، و (فستانان) تمشي بهما الحال، لكن أن تذهب كل يوم وهي لابسة لبساً جديداً، فلماذا تحمل زوجها ما لا طاقة له به؟! ولننظر إلى الكبائر التي في القلب، القلب يغش المسلمين، ويعامل الناس على غش: يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب لا خير في ود امرئ متقلب يهفو إليك وقلبه يتقلب يلقاك بوجه أبي بكر وبقلب أبي جهل، ونحن لا نريد هذا، إنما نريد الصدق، فلا تأخذ في نفسك على أخيك المسلم، فيكفي أنه سلم عليك وزارك، فإنه يزول ما بينكما، لكن لو كان في قلبك غش لا ينفع.

كذلك الظن السيئ بأخيك المسلم، تقول: فلان يتكبر علينا، وفلان عمل كذا وكذا! فأقول: لا تظن الظن السيئ، وإذا عرف السبب بطل العجب، ولا تنظر من (البلكونة) الساعة واحدة بالليل وتلقى جارتك آتية وهي مهمومة، أبوها مريض، وزوجها حصل له مشكلة، لم يلق أحداً يحضر الدواء فتظن بها سوءاً، قال تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:١٠١].

لكن أنت لا تضع أهلك ولا نفسك مواضع الشبهات، سيدنا الحبيب كان يمشي مع السيدة صفية فلقي ثلاثة من الصحابة فنظروا إليه، فالرسول رجع بالسيدة صفية، وقال: هذه صفية زوجتي، قالوا: يا رسول الله! أنشك فيك؟ قال: ليكلا تهلكوا؛ لأنهم لو شكوا في الرسول هلكوا.

احم نفسك من نفسك، لا داعي للظن السيئ، التمس لأخيك من عذر إلى سبعين عذراً، فإن لم تعرف له عذراً فقل: عسى أن يكون له عذر لا أعرفه، قل: يا أخي! يمكن أنه متضايق، لعل أصحاب الأمن أزعجوه.

إذاً: التمس لأخيك الأعذار، الأخ يمكن أن أولاده يتعبونه في البيت، يمكن أن امرأته مريضة، ويمكن أن عنده مشاكل وأنا لا أعرفها، يمكن هناك سبب أصلاً أنا لا أعرفه.

كذلك من الكبائر القلبية المكر السيئ، قال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:٤٣].

ولننظر إلى كبائر البدن كله، من كبائر البدن عقوق الوالدين، ولا يدخل الجنة عاق لوالديه، ولن يدخل النار بار بوالديه، والنظر إلى وجه الوالدين عبادة.

كذلك من الكبائر التي تقترفها الأذن الاستماع إلى الأغاني واللهو والفوضى والرقص والكلام الفارغ وغيره، إن هذه الأذن هي التي تقربك من الله سبحانه وتعالى، استخدمها في طاعة الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>