للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهمية مراقبة الله سبحانه وتعالى]

كذلك مراقبة العبد لله؛ ولذلك ربنا يقول: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:٤٦] جنة لأنه رجا رحمة الله، وجنة لأنه خاف من عقاب الله: (ولمن خاف مقام ربه)، مقام الله هل هو مثل مقام سيدنا الولي؟ لا، مقام الله: كل ما أقامك الله فيه فإن الله مطلع عليك، فأنت تخاف في كل مقام أن يراك الله على معصية، فهو ناظر إليك في كل وقت وحين، لا يراك على معصية؟ لأن أعمالنا تعرض على الله عرضين في اليوم، وعرض أسبوعي، وعرض سنوي، كيف؟ سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وجده الصحابة يكثر من صيام يومي الإثنين والخميس، فقالوا له: لماذا يا رسول الله؟ الدراويش الذين لا يعرفون علم الحديث يقولون لك: يوم الإثنين هذا يوم ولد فيه المصطفى، فالدرويش يقول لك: هذا دليل على أنه كان يحتفل بيوم ميلاده.

قيل لـ عمر بن الخطاب: مالك تلبس ثياباً مقطعة؟ ومالك تأكل العيش والملح؟ قال: لقد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمه وجلوازه -الجلواز: العسكري- إن شاء أرسلني أرسلني، وإن شاء غمدني غمدني، جاعله مثل السيف، حتى قبض وهو عني راضٍ وأنا بذلك أرضى، ثم جاء من بعده أبو بكر فكنت خادمه وجلوازه إن شاء أرسلني أرسلني، وإن شاء أغمدني أغمدني، حتى قبض وهو عني راضٍ، وأنا بذلك أرضى، وأخاف إن بدلت أو غيرت ألا ألحق بهما في الجنة! دخل عمر الشام فلقيه الأمراء وأخبروه بطاعون عمواس، بلد اسمها عمواس والطاعون منتشر فيها، فاستشارهم عمر: هل نمكث أو نخرج؟ فانقسم الصحابة إلى قسمين، فبعضهم قال: توكل على الله، فما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وبعضهم قالوا: لا ندخل، يقول تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥]، فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال: يا أمير المؤمنين! سمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا كان بأرض ولستم بها فلا تدخلوها)، قال: صدق رسول الله، وعاد من فوره استناداً لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم.

فالرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا فلا داعي للفلسفة يأتي قول: هل الحديث صحيح أم أنه ضعيف؟ يا أخي! العالم هو الذي يقف ويتحمل وزرك ووزر الذين وراءك، يعني: يتحمل الوزر على قنطرة تعبر بها أنت إلى الجنة ويسقط هو في قعر جهنم، العلم أمانة، ويجب أن من تولى أمر العلم وتولى تعليم الناس أن يتقي الله رب العالمين، اللهم اجعلنا من أهل التقوى يا أكرم الأكرمين! فلما سئل رسول الله عن صيام يوم الإثنين والخميس قال: (هذان يومان يعرض عملي على الله فيهما، وأنا أحب أن يعرض عملي على الله وأنا صائم)، وهذا هو العرض الأسبوعي.

وهناك عرضان للأعمال في اليوم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، فملائكة الليل تسلم أعمال النهار وقت صلاة العصر بعد انصراف الإمام ثم يسأل الله الملائكة: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون، وفي صلاة الفجر: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون، قال: أشهدكم يا ملائكتي أني قبلت عبادتهم، وغفرت ذنوبهم، ورضيت عنهم).

هذا هو العرض اليومي.

فلا بد أن تعلم أن هناك عرضين: في اليوم، وفي الأسبوع كذلك يوم الإثنين ويوم الخميس يعرض العمل على الله سبحانه وتعالى وهو العمل الإجمالي، أما التفاصيل فإن الله يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، يراك نائماً ويقظان، وجالساً ومضطجعاً، ومتحركاً وساكناً، ومحبوساً وطليقاً، وحزيناً وفرحاً، في كل حالة وفي كل حين، لا تخفى عليه خافية.

كذلك في كل شهر أيام مفضلة عند الله، وهي الأيام البيض: ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، ففي نصف الشهر كذلك عرض للعمل فتصوم هذه الأيام، فيكون هذا عرضاً آخر، كذلك شعبان شهر يغفل عنه الناس -بين رجب ورمضان- تعرض فيه أعمال الأمة، وهذا عرض سنوي! إذاً: من أصبح وأمسى ولسانه رطب بذكر الله أصبح وأمسى وليس عليه خطيئة قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]؛ لأنك متقلب في نعم الله الثلاث التي قلنا عليها قبل ذلك، نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد.

فاللهم اشحن قلوبنا بالخير والطاعة يا رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>