للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوفاء بالعهد والميثاق]

إذاً: ربنا سبحانه وتعالى يقول: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الرعد:١٩]، وأولو الألباب الذين هم من أصحاب العقول النيرة، الذين يوفون بعهد الله قال أهل اللغة: كلمة (عهد) هنا اسم جنس، أي: الذين يوفون بكل عهود الله عز وجل، ولذلك الدراويش يقول أحدهم: هل دخلت الطريقة أم لا؟ يقول: لا.

فيقول له: تعالى أنا أجعل الشيخ يعطيك عهداً، فيذهب إلى عند الشيخ والشيخ متقمص شخصية المشيخة فيقول له: مد يدك الكريمة، فيمد يده ويصافحه فيكون ذلك عهداً، فتراه يعظم هذا العهد ويراه مثل عهد الله يعني: أنت خائف على العهد الزائف الذي بينك وبين العبد! وقطعت العهد الذي بينك وبين الله، ألم تعاهد الله عز وجل وأنت في صلب أبيك آدم؟ حين أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، أي: يا رب! أنت ربنا، إذاً هذا هو عهد التوحيد الذي أخذه الله عليك، والتوحيد الخالص يجعلك لا تخاف من اليوم القادم، ويجعلك واثقاً في رحمة الله، لو كان عند المسلمين يقين مثلما قلنا فبدلاً من أن يقعوا في الشبهات وأرباح البنوك يذهب يفتح حساباً جارياً، وربنا يرزقه وييسر له الرزق الحلال.

قال تعالى: {يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [الرعد:٢٠] أول عهد عهد التوحيد، ثم عهد الأوامر والنواهي، فهذا عهد آخر قال تعالى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:٢٩]، فنولي وجوهنا للمساجد فنصلي الصلوات في الجماعة، ثم بعدها إيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم، وفعل الخيرات، والكلمة الطيبة، وتبسمك في وجه أخيك كل هذه عهود بينك وبين الله، وعهود مكتوبة، ولذلك ربنا أخذ العهد على النبيين أنه لو جاء رسول في آخر الزمن أن يؤمنوا ويصدقوه قال تعالى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران:٨١] أي: على العقد الموثق (قالوا أقررنا) انتهى الأمر.

ولذلك أنا أريد أن تقرأ القرآن بتمعن وتفكر، إن الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن وحيه إلى رسله الكرام يتحدث عن التوصية في جانب نوح والنبيين من بعده، ولا تأتي كلمة التوصية في جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى:١٣]، فالتوصية تأتي عند الأنبياء وتأتي عند سيدنا رسول الله كوحي فقط، لأن العبودية ما تحققت فعلاً في أكمل مراحلها إلا في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد:٢٠] أي: الميثاق الذي بينك وبين ربنا من عبادته وتوحيده، وعدم عصيانه، والميثاق الذي بينك وبين الناس ألا تخلف الوعد كأن تعد بإنجاز موضوع وفي نيتك أنك لن تعمل له شيئاً، فهذه من صفات المنافق، لكن الذي يعد وهو ينوي أن يفي بوعده ولكن الظروف ما سمحت له، فهذا هو الممدوح.

<<  <  ج: ص:  >  >>