للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبق كتاب الله سبحانه بإدخال المؤمنين الجنة وإبعادهم عن النار]

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:١٠١].

فقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) أي: الجنة، ((أُوْلَئِكَ عَنْهَا) أي: عن النار: ((مُبْعَدُونَ)).

قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء:١٠٢] فالعربي عندما كان يتضرر يقول: حس، حس، فكلمة التأوه العربية: حس، حس.

فالله عز وجل يقول: ((لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا))، دليل على أن النار والعياذ بالله لها تأوه.

قال تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:٨] أي: يأكل بعضها بعضاً والعياذ بالله، فقد قيل: لو وجد أهل النار ناراً من نيران الدنيا لاستراحوا فيها وناموا، فالمسألة ليست فوضى، إنما المسألة مسألة حساب.

قال تعالى: {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:١٠٢ - ١٠٣].

يقول أهل العلم: كيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده، يعني: كيف نقدر شيئاً الله هو الذي غرسه بيده؟ ليس خبير زراعة غرسها، بل الذي غرس أشجار الجنة خالق السماوات والأرض.

وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، وعطف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب.

فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فعرش الرحمن، فالله سبحانه يقول: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [إبراهيم:٤٨] فعندما تبدل فليس هناك سماء ولا سقف؛ وإنما سقف الجنة عرش الرحمن.

وإن سألت عن بلاطها فالمسك الأذفر، وإن سألت عن حصبائها فاللؤلؤ والجوهر، وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، فهي طوبة من فضة وطوبة من ذهب والفواصل زعفران ومسك.

وإن سألت عن أشجارها؛ فما من شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، لا من حطب وخشب.

وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنها من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.

وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، وعن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور، آنيتهم الفضة والذهب، في صفاء القوارير، وسعة أبوابها مسيرة أربعين سنة، وأبواب الجنة ثمانية، وأما حلق الباب فبين أن يصل راكب فرس من حلق إلى حلق سبعون سنة، وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: أمتي كظيظ على أبواب الجنة، وكأنهم يزدحمون على أبواب المساجد.

يسير الراكب بالجواد المضمر مائة سنة في ظل الشجرة الواحدة لا يقطعه.

وأما عن سعتها فإن أقل ملك في الدنيا من يسير في ملكه ألفي سنة.

وعن لباسها فالحرير والذهب، وعن وجوه أهلها فكالقمر ليلة التمام، وعن أعمار أهلها فثلاثون سنة، وعن سماعهم؛ فاسمعوا الحور العين ماذا يقلن لأزواجهن: نحن الناعمات فلا نبأس أبداً، الراضيات فلا نسخط أبداً، الخالدات فلا نموت أبداً، المقيمات فلا نظعن أبداً، فطوبى لمن كان لنا وطوبى لمن كنا له.

فلا تسمع كلمة سيئة حين تدخل عليهن فأنت في قصورهن وهن يقلن: أهلاً بحبيبنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>