للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف الحوض ووصفه]

والحوض في اللغة معناه: مجمع الماء، والمراد به شرعاً: حوض لنبينا صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة ترد عليه أمته عليه الصلاة والسلام.

وهذا الحوض جاءت الأحاديث بوصفه بأنه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأن طوله مسافة شهر، وأن عرضه مسافة شهر، وأوانيه التي يشرب به عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين عليه.

ويصب فيه ميزابان من نهر الكوثر من الجنة، والأحاديث في إثبات الحوض بلغت حد التواتر، والأحاديث التي بلغت حد التواتر ليست كثيرة، فأكثر الأحاديث أخبار آحاد لكن خبر الآحاد إذا صح، وكان الرواة عدول ضابطون، ولم يكن خبراً شاذاً ولا معللاً؛ فهو مقبول صحيح يعمل به في العقائد، وفي الأعمال، وفي كل شيء، ولكن أحاديث الحوض بلغت حد التواتر وكذلك وأحاديث المسح على الخفين وأحاديث الشفاعة، وحديث: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة).

وحديث: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) فهذه بلغت حد التواتر، وقد وردت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أنه يرد على حوض النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأن النبي يتقدمه قال: (أنا فرطكم على الحوض).

والفرط: هو السابق الذي يسبق ويتقدم القوم، وأنه يرد على النبي صلى الله عليه وسلم على الحوض أناس قد غيروا وبدلوا فيطردون ويذادون كما تذاد الإبل العطاش فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي أصحابي) ولهذا جاء في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليردن علي أناس من أمتي أعرفهم ويعرفوني فإذا جاءوا اختلجوا دوني).

وفي لفظ: (فيذادون كما تذاد الإبل العطاش فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: أصحابي أصحابي).

وفي رواية: (أصيحابي أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فيقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي) سحقاً أي: بعداً.

قال العلماء: مثل الأعراب الذين لم يتمكن الإيمان في قلوبهم آمنوا وارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم أعمال أمته، ولهذا قال: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) وفيه الرد على من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، أو أن أعمال أمته تعرض عليه فكل هذا ليس بصحيح.

فيجب على المؤمن أن يؤمن بالحوض، والحوض على الصحيح قبل الميزان وقبل الصراط، وقوله رحمه الله تعالى: ويؤمنون بالحوض والكوثر، الحوض في موقف القيامة، والكوثر: نهر في الجنة يصب منه ميزابان في الحوض.

وقوله: وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب ولا عذاب)، ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: اللهم اجعله منهم -وفي لفظ- أنت منهم فقام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة).

وجاء في الحديث الآخر: أن النبي قال: (أعطاني مع كل ألف سبعين ألفاً بغير حساب).

وجاء في حديث آخر: (مع كل واحد سبعون ألفاً) لكنه حديث ضعيف.

وقوله: وكذلك فأهل السنة يؤمنون بإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبة فريق منهم حساباً يسيراً، معناه: أن هناك قسم من الأمة يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.

وهناك قسم آخر: يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة بغير سوء يمسهم وعذاب يلحقهم، والمراد بالحساب اليسير: هو العرض، وقد استشكلت عائشة رضي الله عنها لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقالت: عائشة قلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:٧ - ٨]؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب).

فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر الحساب في الآية بأنه العرض: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:٧ - ٨] المراد بالحساب: العرض تعرض عليه أعماله ولا يناقش، أما من نوقش الحساب فإنه يعذب، وأما الذي تعرض عليه الأعمال عرضاً فإنه لا يعذب، فيكون الجمع بين الآية والحديث هو هذا، فالحديث: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك).

والآية: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:٧ - ٨]، المراد بالحساب في الآية: العرض، والمراد بالحساب في الحديث: المناقشة، فمن نوقش الحساب عذب، وأما في الآية فإنه ليس فيه مناقشة وإنما فيه عرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>