للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان قول وعمل يزيد وينقص]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن مذهب أهل الحديث: أن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان؟ فقال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا أبو جعفر القطني عن أبيه عن جده عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص فقيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحناه فتلك زيادته وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا فذلك نقصانه].

فمن مذهب أهل الحديث وأهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل ومعرفة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة الصحابة والتابعين والأئمة والعلماء: أن الإيمان قول باللسان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ويذكر الله، ويقرأ القرآن، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، كل هذا من الإيمان.

وتصديق بالقلب أي: فأعمال القلوب داخلة في مسمى الإيمان مثل النية، والإخلاص، والرغبة، والرهبة، والمحبة، والخشية، وأعمال الجوارح: مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج.

كل هذه داخلة في مسمى الإيمان، فالإيمان مكون من أربعة أشياء: الأمر الأول: قول اللسان وهو الإقرار والنطق.

والثاني: قول القلب وهو التصديق والإقرار.

والثالث: عمل القلب وهو النية والإخلاص.

والرابع: عمل الجوارح، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: ومن مذهب أهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ومعرفة، قول: قول اللسان وقول القلب، عمل القلب وعمل اللسان، والمعرفة هي تصديق القلب.

وقوله: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

إذا فعل الإنسان الطاعات زاد الإيمان، وإذا فعل المعاصي نقص، ولهذا قال بعضهم: الإيمان قول وعمل، وبعضهم يقول: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، أي: بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومن العلماء من قال: قول وعمل ونية، فالإيمان قول وعمل، والقول شيئان: قول القلب وقول اللسان، والعمل شيئان: عمل القلب، وعمل الجوارح، وهذا هو قول أهل السنة قاطبة خلافاً للمرجئة، الذين يقولون: الإيمان تصديق القلب فقط، وهم أربع طوائف: الطائفة الأولى: المرجئة الجهمية، وهم المرجئة المحضة ويقولون: الإيمان مجرد معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ومن جهل ربه بقلبه فهو كافر، وهذا قول الجهم بن صفوان، وأفسد ما قيل في تعريف الإيمان هو تعريف الجهم، وعلى قول الجهم يكون إبليس مؤمناً؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، يكون اليهود مؤمنين لأنهم يعرفون ربهم بقلوبهم، ويكون أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي مات على الشرك مؤمناً؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، قال: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً الطائفة الثانية: الكرامية الذين يقولون: الإيمان الإقرار باللسان فقط، فعند الكرامية من نطق بالشهادتين بلسانه فهو مؤمن، وإن كان مكذباً بقلبه يكون مخلداً في النار، فيلزم على قولهم: أن المؤمن كامل الإيمان يخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل.

الطائفة الثالثة من المرجئة: الماتريدية والأشاعرة يقولون: الإيمان تصديق القلب فقط، وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة.

الطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه الذين يقولون: الإيمان شيئان: إقرار اللسان، وتصديق القلب، أما الأعمال فليست داخلة في مسمى الإيمان وإن كانت واجبة لكن ليست من الإيمان، فالصلاة، والصوم والزكاة، والحج، بر وتقوى وهي مطلوبة، والفرق بينهم وبين الجهمية، أن الجهمية يقولون: ليست مطلوبة، وهؤلاء يقولون: مطلوبة، وأما أهل السنة والجماعة وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد وهو الذي عليه الصحابة والتابعون والأئمة: أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ومرجئة الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه يقولون: من ارتكب الكبيرة عليه الوعيد ويقام عليه الحد، ومن فعل الطاعات يمدح وله الثواب لكن لا يسميها إيمان، أما الجهمية الأولى: فيقولون: الأعمال ليست مطلوبة، فلو فعل الإنسان جميع الكبائر والمنكرات لا يكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه، وهذا من أبطل الباطل.

وعلى هذا فيكون المرجئة أربع طوائف: الجهمية، والكرامية، والماتريدية والأشاعرة، ومرجئة الفقهاء، وجماهير أهل السنة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وقد نقل المؤلف رحمه الله عن الإمام أحمد: أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد إذا فعل الإنسان الطاعات وينقص إذا فعل المعصية، أما المرجئة فيقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهو شيء واحد بالقلب، وإيمان أهل الأرض وإيمان أهل السماء واحد وهو التصديق، فمن صدق بقلبه فهو مؤمن، ولا يزيد إيمانه ولا ينقص، وهذا من أبطل الباطل، بل إن الإيمان يزيد وينقص فإذا فعل الإنسان الطاعات زاد الإيمان، وإذا فعل المعاصي نقص، ولهذا نقل المؤلف رحمه الله عن الإمام أحمد إلى قوله عن عمير بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص، قيل: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحناه زاد الإيمان فتلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا فذلك نقصانه، ولهذا كان يقول بعض السلف: اجلس بنا نؤمن ساعة يعني: يزيد إيماننا فيجلسون يذكرون الله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو الحسن بن أبي إسحاق المزكى قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو عمرو الحيري قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ومحمد بن إدريس المكي وأحمد بن شداد الترمذي قالوا: حدثنا الحميدي قال: حدثنا يحيى بن سليم سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان فقالوا: قول وعمل سألت هشام بن حسان؟ فقال: قول وعمل، وسألت ابن جريج فقال: قول وعمل، وسألت سفيان الثوري فقال: قول وعمل، وسألت المثنى بن الصباح فقال: قول وعمل، وسألت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقال: قول وعمل، وسألت محمد بن مسلم الطائفي فقال: قول وعمل، وسألت فضيل بن عياض فقال: قول وعمل، وسألت نافع بن عمر الجمحي فقال: قول وعمل].

وهذا كله يدل على أن الإيمان قول وعمل وهو الذي عليه جماهير أهل السنة والجماعة يقول: خلافاً للمرجئة الذين يقولون: العمل ليس من الإيمان.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأخبرنا أبو الكيري قال: حدثنا محمد ومحمد بن إدريس وسمعت الحميدي يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد، تقول ينقص فقال: اسكت يا صبي بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء].

وهذا يؤيد مذهب أهل السنة والجماعة وكنية سفيان هي أبو محمد فالإيمان ينقص ولكنه لا ينتهي على الصحيح إلا إذا وجد الكفر الأكبر، أو النفاق الأكبر، أو الشرك الأكبر، لكن المعاصي تضعفه ولهذا جاء في الحديث (أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان)، ولا ينتهي الإيمان بالمعاصي أبداً ولو كثرت.

فإذا جاء الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر انتهى الإيمان، فلا يجتمع كفر وإيمان بل إذا جاء الكفر الأكبر ذهب الإيمان، وإذا جاء الإيمان ذهب الكفر، لكن المعاصي يكون معها إيمان، فإذا كثرت أضعفت الإيمان حتى لا يبقى إلا أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي ومالكاً وسعيد بن عبد العزيز ينكرون على من يقول: إقرار بلا عمل، ويقولون: لا إيمان إلا بعمل].

وقول: أبي محمد أسكت بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء فيه نظر، والصواب أنه لا بد أن يبقى منه شيء، ويكون لا يبقى منه شيء بالنسبة للكافر، لأن الكافر ينتهي الإيمان منه، أما العاصي فلابد أن يبقى من إيمانه شيء وفيه قول: الوليد بن مسلم أنه سمع الأوزاعي ومالكاً وسعيد ينكرون على من يقول: إقرار بلا عمل، أي: أنهم ينكرون على المرجئة، لأنهم يقولون: الإيمان إقرار بلا عمل، وهذا ليس بصحيح، ولهذا قال نقلاً عن هؤلاء الأئمة: لا إيمان إلا بعمل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قلت: فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكمل إيماناً ممن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة].

قوله: قلت: يعني: الإمام الصابوني فمن كانت طاعاته وحسناته أكثر فإنه أكثر إيماناً، ومن كان قليل الطاعة كثير المعصية والغفلة والإضاعة فإيمانه ناقص هذا صحيح، كلما كثرت الطاعات والحسنات زاد الإيمان، وإذا قلت الطاعات وكثرت المعاصي والغفلة والإعراض نقص الإيمان وهذا قول أهل السنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن باكريه الجلاد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القوم جهلاً، وأنا أبغضهم عن معرفة.

إن أول أمرهم أنهم لا يرون للسلطان طاعة.

والثاني: أنه ليس للإيمان عندهم قدر.

والله لا أستجيز أن أقول إيماني كإيمان يحيى بن يحيى ولا كإيمان أحمد ب

<<  <  ج: ص:  >  >>