للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم بأن الخير والشر من الله وبقضائه: أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الانفراد، فيقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء الاستفتاح: (تباركت وتعاليت والشر ليس إليك).

ومعناه والله أعلم: والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر! ويا مقدر الشر! وإن كان هو الخالق والمقدر لهما جميعاً، لذلك أضاف الخضر عليه الصلاة والسلام إرادة العجز إلى نفسه، فقال فيما أخبر الله عنه في قوله جل وعلا: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:٧٩]، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:٨٢]، ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:٨٠] فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه].

يقول المؤلف رحمه الله: إن من عقيدة أهل السنة والجماعة مع كونهم مؤمنين بأن الخير والشر والضر والنفع من الله لا يضيفون الشر إلى الله تنزيهاً له، وإنما يضاف الخير إلى الله ولا يضاف الشر إليه، فلا يقال: إن الله تعالى مقدر الشر، لكن الشر يدخل في العموم، ويؤتى بصيغة المبني للمجهول، كقوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:٢] فأضاف الشر إلى الخلق ولم يضفه إلى الله تنزيهاً له، وإلا فالله خالق الخير والشر.

قال صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، ولم يقل: من الشر الذي خلقه الله، أضاف الشر إلى الخلق، فقال: (من شر ما خلق).

ومثله قول الله تعالى حكاية عن مؤمني الجن أنهم قالوا: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:١٠] فانظر إلى مؤمني الجن، فإنهم لم يضيفوا الشر إلى الله، بل قالوا: {أَشَرٌّ أُرِيدَ} [الجن:١٠] وهذه صيغة المبني للمجهول، ولما جاء الخير أضافوه إليه، فقالوا: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:١٠]، فأضافوا الخير إلى الله وجاء بالشر بصيغة المبني للمجهول.

ومثله ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والشر ليس إليك).

ومثله قصة الخضر، فـ الخضر أضاف العيب إلى نفسه ولم يضفه إلى الله، فقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:٧٩]، ولما جاء بالخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} [الكهف:٨٢].

يقول المؤلف رحمه الله: ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم -مع قولهم بأن الخير والشر من الله وبقضائه- أنه لا يضاف إلى الله تعالى ما يتوهم منه نقص على الانفراد، تنزيهاً لله، فلا يضاف إليه الشر، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان الله خالق كل شيء، بل يقال: إن الله خالق كل شيء، كما قال الله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:٦٢] لكن لا تخصص تنزيهاً لله، فالله خالق كل شيء، تقول: الله خالق كل شيء وخلق كل شيء، أما أن تخصص فتضيف خلق الأشياء التي لا تليق إلى الله، فهذا لا يجوز، بل ينزه الله عن ذلك، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والكلاب والخنافس والجعلان، وهذه كلها خلقها الله ولا شك، لكن لا تضفها إلى الله تنزيهاً له بل أضفها مع جهة العموم ولا تخصصها.

وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: (تباركت وتعاليت، والخير في يديك، والشر ليس إليك).

يقول المؤلف: ومعناه والله أعلم: والشر ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر، أو يا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لها جميعاً، هذا القول الأول.

والقول الثاني: أن معنى قوله في الحديث: (والشر ليس إليك) الشر المحض الذي لا حكمة في تقديره وإيجاده ولا خير فيه، فالشر المحض: هو الذي لا حكمة في تقديره، والشرور الموجودة في الدنيا شرور بالنسبة للعبد، فالكفر مثلاً شر نسبي بالنسبة للمخلوق، والمعصية شر نسبي، فهي شر بالنسبة إلى العبد الذي فعل الكفر فضره هذا الكفر وساءه، لكن بالنسبة إلى الله فإنه يضاف إليه إضافة خلق، فالله تعالى خلق الكفر لحكمة، فهي بالنسبة إلى الله خير، وبالنسبة إلى العبد شر، فالكفر الذي صدر من العبد بالنسبة إلى الله يضاف إليه إضافة الخلق، فقد خلقه لحكمة عظيمة يترتب عليها انقسام الناس إلى شقي وسعيد، ويترتب عليها قدرة الله على إيجاد المتضادات، ويترتب على الكفر أيضاً التوبة والمعصية، فالتوبة يترتب عليها عبودية الولاء والبراء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحب في الله والبغض في الله، فهذه مصالح عظيمة.

والله تعالى خلق الكفر لحكمة؛ فيكون خلق الكفر بالنسبة لله خير؛ لأنه مبني على الحكمة، وبالنسبة إلى العبد شر، فإذاً قوله: والشر ليس إليك، يعني: الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده وتقديره.

إذاً: كل الشرور الموجودة الآن في الدنيا نسبية فليس يوجد شر محض أبداً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك)، يعني: الشر المحض الذي لا حكمة في إيجاده وتقديره فهذا لا يوجد، وهذا هو الصواب، والمؤلف أتى بمعنى آخر، قال: (الشر ليس إليك)، أي: ليس مما يضاف إليك إفراداً وقصداً، لكن يضاف إلى الله مع غيره، أما أن يفرد الشر فهذا ممنوع وهما معنيان.

يقول المؤلف رحمه الله: ولذلك أضاف الخضر عليه الصلاة والسلام إرادة العيب إلى نفسه، فقال فيما أخبر الله تعالى عنه في قوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:٧٩]، والشاهد أنه أضاف العيب إلى نفسه، فقال: ((أَعِيبَهَا)) ولم يضفه إلى الله.

ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:٨٢]، فالشاهد قوله: ((فَأَرَادَ رَبُّكَ)) فأضاف الرحمة إليه، ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:٨٠] فأضاف المرض إلى نفسه، فقال: ((مَرِضْتُ) وأضاف الشفاء إلى الله بقوله: ((فَهُوَ يَشْفِينِ)) وإن كان الجميع من الله.

إذاً: فالشر لا يضاف إلى الله، وإن كان الله خالق الخير والشر، ولكن يدخل في جملة المخلوقات التي قدرها الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>