للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنواع الإرادة والفرق التي خالفت فيها]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن مذهب أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، ولم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس، فكفر الكافرين وإيمان المؤمنين بقضائه سبحانه وتعالى وقدره وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة ويسخط الكفر والمعصية، قال الله عز وجل: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:٧]].

هذه مسألة المشيئة والإرادة.

وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الإرادة نوعان: إرادة قدرية خلقية كونية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية أمرية ترادف الرضا والمحبة.

إذاً: الإرادة عند أهل السنة والجماعة نوعان: النوع الأول: إرادة كونية خلقية قدرية.

هذه عامة تشمل جميع الأشياء، وترادف المشيئة في قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:١].

والنوع الثاني: إرادة دينية شرعية أمرية ترادف المحبة والرضا، كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥]، فهذه إرادة دينية شرعية، والفرق بين الإرادتين: أن الإرادة الكونية الخلقية لا يتخلف مقتضاها، وأما الإرادة الدينية الشرعية فقد تحصل وقد لا تحصل، فإذا أراد الله كوناً وقدراً من هذا العبد هذا الفعل فلا بد أن يفعله، وإذا أراد منه أن يموت فلابد أن يموت فلا يتخلف مراده.

أما الإرادة الدينية الشرعية فقد تحصل وقد لا تحصل، فالله تعالى أراد من العباد كلهم الإيمان والصلاح، لكن منهم من آمن ومنهم من لم يؤمن، فالدينية الشرعية قد يتخلف مرادها والكونية لا يتخلف مرادها.

هذا الفرق الأول.

والفرق الثاني بين الإرادتين: أن الإرادة الكونية الخلقية والإرادة الدينية تجتمعان في حق المؤمن، وتنفرد الكونية في حق الكافر، فالله تعالى أراد الإيمان من أبي بكر كوناً وقدراً وديناً وشرعاً فوقع.

وأراد الإيمان من أبي لهب ديناً وشرعاً ولكنه لم يرده كوناً وقدراً، فوقعت الإرادة الكونية، فاجتمعت الإرادتان في حق المؤمن المطيع، وانفردت الإرادة الكونية في حق الكافر والعاصي، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.

أما أهل البدع فلهم مذهبان: المذهب الأول: الجبرية من الأشاعرة والجهمية، قالوا: ليس هناك إلا إرادة واحدة، وهي إرادة كونية قدرية، وأنكروا الإرادة الدينية الشرعية، والمعتزلة والقدرية أثبتوا الإرادة الدينية والشرعية، وأنكروا الإرادة الكونية، فكان كل من الجبرية والقدرية يثبتون نوعاً واحداً من الإرادتين، وأهل السنة قسموا الإرادة إلى قسمين على حسب النصوص: إرادة كونية قدرية خلقية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية أمرية ترادف المحبة والرضا.

يقول المؤلف رحمه الله: وكذلك من مذهب أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل مريد لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، فلم يؤمن أحد إلا بمشيئته، ولم يكفر أحد إلا بمشيئته، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة لكن له الحكمة البالغة، فقسمهم إلى شقي وسعيد، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس:٩٩]، ولو شاء أن لا يعصى لما خلق إبليس، لكنه خلقه لحكمة يعلمها.

فكفر الكافرين، وإيمان المؤمنين، وإلحاد الملحدين، وتوحيد الموحدين، وطاعة المطيعين، ومعصية العاصين؛ كلها بقضائه سبحانه وقدره وإرادته ومشيئته وله الحكمة البالغة، فقد أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية، قال الله: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧]، وقال الله عز وجل: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>