للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهل البدع يردون الآثار]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى يقول: سمعت أبا نصر بن سلام الفقيه يقول: ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث، وروايته بإسناده].

هذا الأثر أخرجه الحاكم في كتابه (علوم الحديث) والخطيب البغدادي، فليس شيء أثقل على أهل الإلحاد، ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناده؛ لأن الحديث يلزمهم بالعمل، ويلزمهم أن يتقيدوا بالشريعة، والمنافقون الزنادقة لا يريدون أن يعملوا بالشريعة، بل يعملون بأهوائهم وآرائهم، والحديث يقيدهم، فأبغض شيء إليهم سماع الآيات وسماع الحديث، فإذا ذكرت لهم الدليل من القرآن والسنة، ضاقوا وكأنه صاعقة عليهم، لخبثهم بسبب النفاق، والعياذ بالله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسمعت الحاكم يقول: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه وهو يناظر رجلاً، فقال الشيخ أبو بكر: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دعنا من حدثنا! إلى متى حدثنا؟ فقال الشيخ له: قم يا كافر! فلا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا أبداً، ثم التفت إلينا وقال: ما قلت لأحد قط: لا تدخل داري إلا هذا].

وهذا الإسناد أخرجه الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث)، وذلك أن أبا بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه ناظر رجلاً، فقال أبو بكر رحمه الله: حدثنا فلان، يريد رواية الحديث، فكان عنده رجل منافق، فقال: دعنا من حدثنا، إلى متى تظل مع حدثنا؟ فغضب الشيخ ومن شدة غضبة واندفاعه قال له: قم يا كافر، يعني: أنت تنكر الحديث، فاخرج من بيتي، لا يحل لك أن تدخل داري أبداً بعد هذا، ثم التفت الشيخ أبو بكر وقال: ما قلت لأحد: قم من داري إلا لهذا الرجل، مع أن هذا الرجل قد لا يكون منافقاً، وقد لا يكون كافراً، لكن قد يكون عنده مثلاً ضعف في الإيمان أو أنه رجل جاهل، لكن من شدة إنكار أبي بكر رحمه الله وشدة غضبه عليه وحنقه عليه، رماه بالكفر، وهذا لا بأس به كونه قاله متأولاً، مثل ما حصل لـ عمر عندما قال عن حاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق؛ فإنه قد خان الله ورسوله، مع أن حاطباً ليس منافقاً، لكن عمر رضي الله عنه تأول بسبب فعله، لكن لو قال شخص لشخص: يا كافر بدون سبب، فهذا يجوز، بل هذا من الكبائر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، وقال عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وهذا إذا كان بدون تأويل، لكن بسبب التأويل إذا عمل عملاً ينافي السنة ويخالفها، ثم قال له: يا كافر متأولاً، فهذا لا يدخل في هذا الحديث، كما فعل أبو بكر بن إسحاق هنا، فإنه قال له ذلك من باب التأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>