للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حب أهل الحق وذكر بعض أسمائهم]

هذه من علامات أهل السنة: أنهم يحبون أئمة السنة وعلماءها وأنصارها، ويبغضون أهل البدع، وإذا رأيت الرجل يحب أهل السنة، ويحب الأئمة العلماء كالإمام أحمد والبخاري والشافعي ومالك وأبي حنيفة وسفيان الثوري وابن عيينة، وغيرهم من أهل الحديث، فهذا دليل على أنه من أهل السنة، وإذا رأيت قوماً يبغضون أئمة البدع الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار، فاعلم أنهم من أهل السنة، فإن الله تعالى زين قلوب أهل السنة ونورها بحب علماء السنة، فضلاً منه وإحساناً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ أسكنه الله وإيانا الجنة، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن الفضل المزكى قال: حدثنا أحمد بن سلمة، قرأ علينا أبو رجاء قتيبة بن سعيد كتاب الإيمان له، فكان في آخره: فإذا رأيت الرجل يحب سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وشعبة، وابن المبارك، وأبا الأحوص، وشريك، ووكيع، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، فاعلم أنه صاحب سنة.

قال أحمد بن سلمة رحمه الله، فألحقت بخطي تحته، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، فلما انتهى إلى هذا الموضع، نظر إلينا أهل نيسابور، وقال: هؤلاء القوم يبغضون يحيى بن يحيى، فقلنا له: يا أبا رجاء! ما يحيى بن يحيى؟ قال: رجل صالح إمام المسلمين، وإسحاق بن إبراهيم إمام، وأحمد بن حنبل أكبر من سميتهم كلهم.

وأنا ألحقت بهؤلاء الذين ذكرهم قتيبة رحمه الله أن من أحبهم فهو صاحب سنة، من أئمة الحديث الذين بهم يقتدون وبهديهم يهتدون ومن جملتهم ومتبعيهم وشيعتهم أنفسهم يعدون].

هذا الأثر رواه الحاكم رحمه الله وهو أنه إذا رأيت الرجل يحب هؤلاء المحدثين، وهؤلاء الأئمة، فاعلم أنه صاحب سنة، وهم: سفيان الثوري المحدث المشهور، واسمه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ومالك بن أنس وهو الإمام المشهور إمام دار الهجرة، والأوزاعي وشعبة وعبد الله بن المبارك الإمام المشهور وأبو الأحوص، وشريك ووكيع، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي؛ لأن هؤلاء أئمة الحديث.

وألحق أحمد بن سلمة بخطه أئمة آخرين، وهم يحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال أبو عثمان: أنا ألحقت بهؤلاء الذين ذكر قتيبة رحمه الله، فمن أحبهم فهو صاحب سنة، لأنهم من أئمة الحديث، الذين بهم يقتدون، وبهديهم يهتدون، ومن جملتهم وشيعتهم أنفسهم يعدون.

يعني: أن من أحب أنصار السنة أهل الحديث، والأئمة والعلماء، فهذا دليل على إيمانه وتقواه وأنه من أهل السنة، وإذا كان يبغض هؤلاء ويحب أهل البدع فهذا دليل على أنه من أهل البدع، وكذلك من يحب الدعاة وأهل الخير والعلماء والمصلحين والأئمة في القديم والحديث فهذا دليل على أنه من أهل السنة، ودليل على إيمانه وتقواه، ومن أبغض أهل الحديث وأهل الخير والدعاة والمصلحين والأئمة فهذا دليل على نفاقه، وقد جاء في الحديث: (حب الأنصار إيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان)، فعلامة الإيمان حب الأنصار، وعلامة النفاق بغض الأنصار، والأنصار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هم الأوس والخزرج، وكذلك أنصار دين الله في كل زمان، فمحبتهم دليل على الإيمان، وبغضهم دليل على الكفر.

فالذي يبغض أنصار دين الله من الدعاة والمصلحين والأئمة والعلماء في كل زمان، فهذا دليل على النفاق، والذي يحب الأنصار والدعاة إلى الله، والمصلحين، وأهل الحق، وأهل السنة والجماعة، فهذا دليل على إيمانه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي اتباعهم آثارهم يجدون جماعة آخرين، منهم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي الإمام المقدم والسيد المعظم، العظيم المنة على أهل الإسلام والسنة، الموفق الملقن الملهم المسدد، الذي عمل في دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من النصر لهما والذب عنهما، ما لم يعمله أحد من علماء عصره ومن بعدهم].

وهذه الأوصاف للإمام الشافعي غير موجودة في النسخة التي معنا، بل عندنا الإمام الشافعي محمد بن إدريس الشافعي فقط، والمؤلف رحمه الله شافعي المذهب، وإلا فإن الإمام أحمد كذلك وقف موقفاً عظيماً في محنة المعتزلة ولم يفعل هذا أحد قبله ولا بعده، وكلام المؤلف هنا كان من ميله للشافعي؛ لأن الصابوني رحمه الله شافعي.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنهم الذين كانوا قبل الشافعي رحمه الله، كـ سعيد بن جبير والزهري والشعبي والتيمي ومن بعدهم، كـ الليث بن سعد والأوزاعي والثوري وسفيان بن عيينة الهلالي وحماد بن سلمة وحماد بن زيد ويونس بن عبيد وأيوب وابن عوف ونظرائهم ومن بعدهم مثل يزيد بن هارون وعبد الرزاق وجرير بن عبد الحميد، ومن بعدهم مثل محمد بن يحيى الذهلي ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري وأبي داود السجستاني وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم وابنه ومحمد بن مسلم بن واره ومحمد بن أسلم الطوسي وعثمان بن سعيد الدارمي ومحمد بن إسحاق بن خزيمة الذي كان يدعى: إمام الأئمة، ولعمري كان إمام الأئمة في عصره ووقته].

ينبغي أن يقيد إمام الأئمة بقوله: في عصره كما قاله المؤلف؛ لأن إمام الأئمة بالإطلاق هو الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن قد يقال لإمام ما بأنه إمام الأئمة في عصره وزمانه، كما يسمى محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة في عصره.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل البستي والحسن بن سفيان النسوي وجدي -من قبل أبي- أبي سعيد يحيى بن منصور الزاهد الهروي وعدي بن حمدويه الصابوني، وولديه سيفي السنة أبي عبد الله الصابوني وأبي عبد الرحمن الصابوني، وغيرهم من أئمة السنة الذين كانوا متمسكين بها ناصرين لها داعين إليها موالين عليها].

وهؤلاء الأئمة كلهم من أئمة أهل الحديث، وكلهم علماء أجلة، وكلهم لهم جهود مشكورة في مناصرة السنة ومحاربة البدعة، فمحبتهم دليل على الإيمان، وبغضهم دليل على النفاق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني، وجرير بن عبد الحميد الضبي وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم بعضاً، بل أجمعوا عليها كلها، واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم].

قول المؤلف رحمه الله [وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء] يعني: في هذه الرسالة (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) وهؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم كلهم يعتقدون ما في هذه الرسالة التي ذكرتها، لا يخالف بعضهم فيها، بل أجمعوا عليها، ولم يثبت عن أحد منهم ما يضادها، واتفقوا مع هذا على قهر أهل البدع وإذلالهم واخزائهم وإبعادهم وهجرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>